Saturday, December 27, 2008

دولة الرواية قامت في مطروح (:

عزة حسين ــ طه عبد المنعم ــ أنا
شوية تأمل (:

جانب من المائدة المستديرة


... و جانب من الجماهير الغفيرة في الدائرة المستديرة

أربعة أيام جميلة قضيتها في مطروح ، مشاركاً في مؤتمر السرد الجديد في مصر
أبحاث و مناقشات جادة .. و لقاءات بأصحاب يستحيل أن أراهم كلهم في مكان واحد
أما المائدة المستديرة .. بطلة المؤتمر و نجمة شباكه .. فلم أتخيل أن تأتي على هذا النحو .. جماهير غفيرة تحلقت حولنا .. عيون و كاميرات و شغف بالاستماع لنا .. كانت حاجة تخض ..و رغم تمرسي على مواجهة الناس و الانطلاق في الكلام ، لقيت نفسي فعلا مخضوض من الزحمة و كل العيون متوجهة ناحية نقطة واحدة .. كانت ليلة بجد عظيمة .. و ناس جت مخصوص من أماكن بعيدة لمتابعة المائدة و رجعت تاني .. مش ممكن !! بجد كان يوم استثنائي
مش عاوز اتكلم كتير .. و لا عارف .. يكفيني الشاب الصغير اللي جه مخصوص من المنيا لمطروح على حسابه علشان يقابلني و يديني شريطين كاسيت مسجل عليهم وقائع ندوة أقيمت في مركز شباب صغير لمناقشة هدوء القتلة .. و تكفيني البنت اللي جت من اسكندرية و معاها أربع نسخ من الرواية علشان أوقع عليهم ليها و لأصدقائها .. لكني سعيد لأن دولة الرواية ــ حسب تعبير عمنا العظيم خيري شلبي اللي المؤتمر شرف برئاسته له ــ قامت و ازدهرت الآن و عاد لها محبوها و اكتسبت محبين جدد من خلال الرواية الجديدة في مصر
مطروح .. ذكرى لن تنسى أبداً
((:



Sunday, December 07, 2008

مقال د. صلاح فضل عن ( هدوء القتلة ) في جريدة الأهرام .. اليوم

شيء جميل أن تستيقظ صباح أول أيام العيد على مقال نقدي مهم ، للدكتور صلاح فضل في جريدة الأهرام عن هدوء القتلة

كل التقدير للناقد الكبير على قراءته المتأنية و جهده في تأويل النص و تحليله

و هذا هو المقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طارق إمام في هدوء القتلة

يقول الكاتب المكسيكي الكبير كارلوس فوينيتس: "لا تكون الكتابة جيدة إذا اكتفت بأن تعكس الأشياء أو تقلد الحياة فحسب، لكن حين تتحدث حول ما لم يوجد بعد، أو ما هو موجود لكنه خفي أو ممنوع، عندئذ تصل إلى شيء أعظم أهمية"
وفي عالم اليوم الذي أصبح فيه قتل الجماعات عادة يومية في العراق وأفغانستان وفلسطين وبقية أنحاء العالم، باسم الحرية المزعومة حيناً، والدين المشوه أو الرفض الصريح حيناً آخر، يصبح تحول الإنسان العادي – بل الفنان المبدع – لقاتل محترف بدم بارد شعيرة يومية تستحق أن تفاجئنا بمعقوليتها الصادمة، وهذا ما يقوله لنا القصاص الشاب "طارق إمام" في روايته الجديدة "هدوء القتلة"، حيث يمارس الراوي ذاته القتل بمدية حادة باعتباره تتويجاً "سعيدا"ً لكل أنواع العلاقات التي تربطه بالأحياء، من حب وحيرة وشراكة أو صداقة، أو حتى مصادفة. لكنه لا يفعل ذلك بطريقة جنونية أو مجانية بل بقوم بتأصيل سلوكه وفلسفة موقفه، وكشف مواريثه العريقة في أصلاب الثقافة والمجتمع، مع الحرص على تحديد موقعه في مدينة القاهرة، وزمانه في العصر الراهن، وتجسيد تاريخه في مجلد عتيق يحتضنه دائماً في يقظته ومنامه، ينتسب الراوي إلى جده الذي "ظل يتوهم حروباً لم يخضها، ويحتاط لأشخاص لن يراهم أبداً، ووصلت ألفته بجدرانه حد أنه صار قادراً على تحريك الحوائط بمجرد النظر إليها، وهدمها تماماً في ليالي مشيه الأبدي أثناء نومه، وهو يحمل مجلده باحثاً في وجوه المدينة عن امرأة تصلح لأحلامه القادمة، ترك الرجل مخطوطه الدموي المقدس كما ترك نسلاً كثيراً في أرجاء المدينة، جميعهم قتلة متوحدون، غارقون في منامات خطرة مثله، لا يرون وجه الله سوى بعيون مغلقة، وقد عرفت دائماً – دون أن أحتاج لجهد كبير – أنني واحد من هؤلاء


ويمضي السرد رزيناً فصيحاً بهذا الأسلوب الذي يمزج بين الفقرات العجائبية والصور الشعرية الرمزية، لكي تتراءى من خلاله حيوات نابضة بحرارة الواقع. مثلاً "الصول جابر" برجله الخشبية المصقولة ومقامه الأليف بين المقابر يقدم حكايته للراوي الذي يعمل في تعداد السكان فيزعم أن رجله في الحرب علامة البطولة، لكن جاره الإسكافي "ليل" يكشف عن حقيقة الإصابة، حيث كل الصول لحقد دفين في قلبه اعتدى على شاب مسيحي واغتصبه، فانتهز الشاب فرصة التدريبات وصوب على ما بين فخذيه فأطار رجله انتقاماً لعرضه، مما يشف في كل حال عن قسوة الحياة في السلم والحرب وهيمنة العنف على مسارها ومصيرها معاً

الشعر والتصوف
الطريف أن هذا القتل اليومي يقوم به شاعر، يخضب دمه اليمنى بالدم، ويكتب باليسرى قصيدة جديدة، الأمر الذي يفتح للقارئ الصبور باباً عريضاً للتأويل، هل يكون هذا القتل فعلاً رمزياً كأنه استعارة مستحيلة لحالة مجازية تتراوح بين اليقظة والحلم، يقول مثلاً: "سأتجه إلى غرفة شحيحة الضوء في أحد البيوت، أقتل ضحية جديدة في سريرها، أترك سطراً جديداً من الشعر القاني على ملاءة السرير، على الحائط أو بامتداد الأرضية، سطرت في قصيدتي النهائية المكتوبة بامتداد صفحات المدينة المفتوحة أمامي ككتاب لم يكتب".
تجاوز الشعر والقتل، بمقدار ما يخرق سطح المعقول، يهدد استقرار دلالة كل منهما، فنحن قد نستطيع تقبل اقتران أية مهنة بالقتل، السياسة مثلاً، خاصة عندما نسمع عن مدرسة القتلة في أمريكا التي تستوعب شباب بعض الدول النامية وتدربهم على القتل لجعلهم مرتزقة في حروبها الاستعمارية، لكن الفن والشعر والموسيقى إما أن يجعل القتل رمزياً أو يتحول هو لرمز. والأدهى من ذلك أن هذا الشعر يمعن في روحانيته ليخترق أفق التصوف والعشق والطفولة في مشهد عجيب يخاطب في الراوي نفسه مستحضراً إحدى "كراماته" قائلاً: "تمتد إليك يد فتاة بسطل من اللبن، تقول لك: يا شيخي، تشبه فتاة في المدرسة قالت لك: يا مستر (يشير إلى حادثة سابقة) غلامية هذه البنت، الخيط السميك الأبيض يسيل من بين شفتيك.. وتحت الأحجار المتهدمة عند تخوم المكان، تدس مطواتك فيها لتكمل سكرتك، الدم المراق تتجرعه الأرض ذات الحصى الصغير المدبب الجارح.. تعيد الفتاة لملابسها السوداء التي لم ترتد تحتها طيلة أعوامها الثلاثة عشر سوى جسدها، كفن داكن معروق لائم هامة لم تتعر سوى لك، سيعثرون عليها بعد كل شيء، لن يلحظوا في باديء الأمر سطور الدم الداكن المقفى على عباءتها المظلمة، لكنني اطمأننت، لأن على الأرض بجوار جسدها علامة: ودعت قبل الهوى روحي لما نظرت / لا خير في الحب إن أبقى على المهج".
هكذا نجد الشعر الصوفي علامة الحدث لنستغرق في التأويل، لكن ما بين الأحداث اللامعقولة، والنهايات المسنونة، لطعنات نافذة، في صور رجال ونساء، وصبايا وولدان، في مشاهد كابوسية، يظللها الهدوء، وتحفها نفثات الشعر وتأملات الناسك السفاح، تظل المشاهد
حبات متجاورة لا ينظمها سوى ضمير السارد، دون أن تقوى على تشييد معمار روائي متعدد الطبقات، تكتشف دلالاته عند كل قراءة. مما يجعل هذه التقنية وإن نجحت في تعرية عنف العصر وتحويله إلى استعارة شعرية، لا تزيدنا علماً بقوانينه الخفية، ولا تفتح لنا كوة ضوء ننفذ منها إلى المستقبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. صلاح فضل

الأهرام ــ الإثنين 8 ديسمبر 2008

Monday, December 01, 2008

! ماركيز .. سحر السطو


منذ أيام، صدرت ترجمة ثالثة لآخر روايات "جابرييل جارثيا ماركيز" (ذاكرة عاهراتي الحزينات).. على يد الدكتور "أحمد يونس"؛ لتضاف إلى الترجمتين السابقتين اللتين أنجزهما صالح علماني وطلعت شاهين.. ولست هنا بصدد التعرض لمقارنة بين الترجمات الثلاث -التي قرأتها- وإن وجدت من الضروري الإشارة إلى أن أقلها هي ترجمة شاهين.. التي عدل فيها في النص بالحذف والتهذيب كثيراً وفق رؤية أخلاقية لا تصلح للتعامل مع الأدب، بدءا من اختصاره عنوانها الساحر إلى "ذكريات" وهو عنوان يصلح لكتاب سيرة ذاتية بدائية وليس لرواية.. حتى صارت أشبه بملخص مدرسي لرواية ممتعة.. ولا أعرف لماذا يقدم شخص لديه هذه النظرة على ترجمة عمل محوره الأساسي هو الجنس وبطله الجسد!.. كان يمكنه تجنبه ببساطة، احتراماً لماركيز وقرائه، ولنفسه بالأساس!


ما أريد التطرق له هنا هو رواية ماركيز الأخيرة نفسها.. والتي جددت نفسها في ذاكرتي ثلاث مرات بثلاث ترجمات مختلفة.. دون أن يتطرق أحد مترجميها بشكل حقيقي لإشكالية جوهرية في الرواية، اعترف بها ماركيز نفسه، وهي أن الرواية اقتباس حقيقي لرواية "منزل الجميلات النائمات" للياباني ياسوناري كاواباتا، الذي سبق ماركيز إلى نوبل بسنوات كثيرة. اعترف ماركيز مراراً بأن "منزل الجميلات النائمات" هي الرواية التي تمنى أن يكتبها.. وظل مشغولاً بهذا "الطمع" الإبداعي إلى أن قرر أخيراً أن يكتب نسخته الخاصة منها!. قبلها بسنوات، عزف ماركيز على وتر نفس الرواية بقصة هي "طائرة الجميلة النائمة" ضمتها مجموعته "اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة" والتي ترجمها د. سليمان العطار بعنوان "12 حكاية عجيبة".


واقعة ماركيز غريبة، تطرح تساؤلاً مهماً: ما الذي يجعلك غير قانع بقراءة رواية ما.. لتقرر أن تكتبها أنت؟ لتصير نصك؟.. ولاحظ أن المفتون هنا هو ماركيز بالذات، صاحب عشرات الروائع، والذي يعد منجزه السردي وما أحدثه من تحول أقوى وأعمق أثراً بكثير من كاواباتا.. الغريب أن ماركيز له واقعة أخرى، مع الكاتب ألفارو موتيس.. الذي كان يهم بكتابة رواية عن "سيمون بوليفار" المناضل اللاتيني الشهير، ومؤسس دولة "بوليفيا" التي اتخذت اسمها من اسمه. قرأ ماركيز ما كتبه "موتيس".. وفتنته الفكرة.. وبمجرد أن توقف موتيس عن مشروعه -كما يحدث لأدباء كثيرين مع مشاريع لا تكتمل- اغتنم ماركيز الفرصة ولم يضع دقيقة واحدة، وكتب الرواية، التي منحها اسم "الجنرال في متاهته" وأهداها إلى موتيس نفسه!. تلك الواقعة اعترف بها ماركيز أيضاً.. ببساطة، وبروحه الفكاهية المرحة.
السؤال هنا: هل تجاوز ماركيز حدوده ككاتب عندما أعاد كتابة رواية شهيرة بطريقته.. وعندما كتب رواية أخرى كانت فكرتها ملك لروائي آخر؟.. أم أنه تعامل بمنطق أن الأفكار على قارعة الطريق، حتى لو كان هذا الطريق يخص أوراق أشخاص بعينهم؟ هناك من يقول إن طريقة بناء العمل هي العمل وليس فكرته، وهو كلام صحيح إلى أبعد حد.. ولكني أعتقد أن الإجابة عند ماركيز نفسه أبسط من تعقيدات التنظير تلك. ماركيز تعامل كطفل وحسب: أريد هذه وتلك.. إذن هذه وتلك لي، ملكي! محاذير ما فعله ماركيز ككاتب كبير وشهير أقوى، لو حسبها بالعقل والمنطق.. كان يمكن أن يخشى مقارنة روايته "الصورة" برواية كاواباتا "الأصل".. ودائما الأصل يربح، حتى لو لم يكن الأفضل.. وهو بالمناسبة ما حدث مع رواية ماركيز الأخيرة بالفعل. كان يمكن أن يخاف ماركيز كتابة نص صاحب فكرته أقل شهرة منه بكثير.. بكل مخاطر ذلك.. وبسمعته التي عرضها للخطر من أجل رواية لن تكون بحال من الأحوال أعظم من "مائة عام من العزلة" أو "الحب في زمن الكوليرا" أو "خريف البطريرك" وغيرها كثير من روائع الكولومبي الساحر.. غاية ما فعله ماركيز أقل بكثير من الوسيلة المحاطة بعلامات استفهام كثيرة.. خاصة وأنه كتب الروايتين بعد حصوله على نوبل بسنوات طويلة وبعد أن "شبع" كتابة وشهرة.


أعتقد أن ماركيز -المحترف، وأحد أشهر الحاصلين على نوبل في تاريخها- لم يقتل بداخله بعد روح الهاوي.. يعود لها أحياناً، مضحياً بكل شيء في سبيل متعة طفولية، يمارس فيها السطو بطريقته، معترفاً بضعفه أمام أفكار بعينها لا يستطيع من كتابتها فكاكاً.. حتى لو لم تكن من بنات أفكاره السعيدات!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال الأول ضمن سلسلة مقالات جديدة تنشرتباعاً في موقع بص و طل

Tuesday, November 18, 2008

صانع الصور الأعمى


لا يذكر المُصوِّر العجوز متى استغنى عن عينيه تماماً ، مكتفياً بحدقة الزجاج ، و بصوت الفلاش الأليف الذي كان يخبره مرةً بعد أخرى أ ن مهمةً جديدةً قد انتهت .

الزبائن لم يلحظوا شيئاً . لم يدر بخلدهم أن عينه اليمنى المفتوحة حدقة عمياء . بئرُ ظلمةٍ يرقد فيها الخواء . أن العين اليسرى ، المغلقة دائماً كي لا يهتز المشهد ، ربما ترى أفضل .

المُصور العجوز لا يذكر من أيامه سوى لحظة ولادته . لا يزال يسمع صرخة الحياة ، و همهمات الأهل .. و قطرة عرق باردة سالت من جبين الأم على جسده ، قبل أن تتوجه في اليوم التالي إلى مقبرتها .

شاخ فجأة
كأن الحياة لم تكن .

تعوَّد أن يتأمل الظلمة و يفكر : لو جرب الناس التحديق في العتمة لن يشيخوا ، لأنهم سيحتفظون بأعينهم فترة أطول . لن تكتظ ذاكرتهم بالضوء الذي يسيل في لحظة ، كطعنة برق ، ليُغرق غرفهم ، و يترك تاريخهم مثل وعاءٍ فارغ .

في قرارة نفسه أيقن أن الصباح لعنة من يستيقظون مبكراً
أن المساء وداعٌ ثقيل غير أنه يليق بيقظة حب منسي .. بأرصفة تبدل أماكنها .. و بأثر وردة .

كان مديناً للظلام بكل شيء ، على الأقل لأنه شاهد ماضيه في حلكته .. غائماً بلون " السيبيا " ، و غامضاً ، كزائرٍ لم يأت .

حبة العرق القديمة لا تزال ترقد بين عينيه ندبةٌ خافتة
تؤلمه كلما لامسها
كأنه وُلِد للتو .

لم يكن يخشى الموت قدر ما كان يخشى الحياة . فكلما مات أحد زبائنه ، كان شبحه يتسلل إلى غرفة التحميض . يسترد صوره .. و يترك بدلاً منها ملابسه التي لن يحتاجها في الآخرة .

هكذا تحوَّل المكان يوماً بعد آخر إلى دولاب ملابس ضخم .. بروائح الأنفاس المخزونة .. ببقايا الشهيق و الزفير لبلدة كاملة تحت الأرض .. ليكتشف المصور العجوز بحسرة ، أن المكان الذي أعده ليصير مقبرته لم يعد يصلح ، سوى للحياة

سرد ـــــــــــــ 1


تشترك الرواية مع السينما في شيء آخر غير أن كلاهما يسردان حياة ممتدة في مدي محدود نسبيا ــ على مستوى عدد الصفحات في الرواية و زمن العرض في الفيلم السينمائي .الرواية و الفيلم السينمائي يتمتعان بصفة " الاتصال " كفني تشخيص بالأساس ، و تمثل لهما التقنيات و دهاليز الصنعة ضرورات لابد منها للتحقق : المعمار ، البناء الكلي ، كيفية تحريك العالم ، الانتقال بين الشخوص ، مستويات اللغة و انتقالات الزمن، لغة الشخوص و سماتهم ، الانتقال بين تاريخ الشخصية و حاضرها ، تحريك الحدث أو الأحداث للأمام و الخلف ، حجم كل مشهد و لقطة ، مداه . كلاهماــ الرواية و السينما ــ ابن الصنعة بامتياز .. لا مكان هنا لمنطق الدفقة ، أو الارتجال المطلق ، أو المزاجية المرسلة.. الإلهام يتحقق داخل الإطار النظامي الأشمل ..و البنية المجردة لابد من مثولها تحت غطاء التجسيد الذي يوهمك بعدم وجودها .و سؤال كليهما الأساسي : كيف لا تخون نفسك كصانع ، كبنَّاء ، و لا تحرم نفسك من التجريب مع الاحتفاظ بمساحة تواصل لا تجعل نصك غائبا في التغريب ؟ . أنت بين حدين ، يمكنك أن تميل لأحدهما إن أردت و لن تعدم مكاسب من كل خيار : التواصل السهل على إطلاقه مع إدارة ظهرك للثقل الفني و الجمالي الضروريين و إهمال مقتضيات الخطاب ..لتكسب " الزباين " و فرشة بائعي الجرائد .. أو الاتكاء على كل ذلك و مخاصمة فكرة القاريء / المشاهد البريء الباحث عن قدر من المتعة و التسلية ، و هو حقه في النهاية ، و الطامح لتواصل حقيقي.

تاريخ الرواية ــ كتاريخ السينما ــ انحاز بوضوح لقليلين استطاعوا أن يجمعوا بين حسنيين .الشعرة بين " التوفيق " و " التلفيق " واهية جداً ..التوفيق تنتجه معرفة عميقة ، قراءة واعية ، معرفة حقيقية .. التلفيق " حتة من هنا و حتة من هناك علشان كل الناس تتبسط " . التوفيق يصنع نجيب محفوظ و جابرييل جارثيا ماركيز و خوزيه ساراماجو ،و مارتن سكورسيزي و كوبولا .. أما التلفيق فيصنع طوابير طويلة من مدعين بلا أسماء .

أعتقد أن أحد أسئلتي كروائي ــ و التي أشتغل عليها بدأب منذ سنوات ــ هو كيف أطرح نصي الخاص جداً على العالم . أنا أقصد كل حرف في هذه العبارة .. شيء صعب بالتأكيد أن تكون أنت و أن تظل قادراً على الوصول لآخرين .. أنا و الآخر معاً .. و ليس أنا أو الآخر . هذا سؤال روائي بامتياز ، قد لا يكون على نفس درجة الخطورة مع القصيدة أو القصة القصيرة أو اللوحة التشكيلية . الرواية هي صوتك المتعالق مع مجموع .. بل هي صوتك الذي يتحول في النص إلى مجرد صوت واحد لشخصية أمام أصوات أخرى .. أنت لست روايتك .. ففيها شخصيات تختلف عنك و تطرح صراعاتها بعيداً عن يقينياتك .. لكنك في القصيدة و القصة و اللوحة و قطعة الموسيقى أنت فقط .. الصوت صوتك .

أنت في الرواية تملك سلطة إدارة العالم .. حسناً .. و لكنك في أشكال التعبير الأخرى تملك سلطة أن تكون أنت العالم .ربما لذلك تتحقق نرجسية الروائي من معمار عالمه .. مثلما يتحقق أب بتحقق أبنائه رغم أنهم ــ عملياً ــ ليسوا هو ..بينما تتحقق نرجسية الشاعر من كونه الخاص . الشاعر يحيل العالم إلى ذات .. الروائي يحيل الذات إلى عالم . هذه ليست مقارنة .. فلكل خطاب خصوصيته و ضرورة وجوده ليكتمل مشهد الوجود الواسع ..و لكن الرواية لا تملك الكثير من الترف ــ عكس ما يعتقد الكثيرون ــ و بعض من التفتوا للترف تحققوا ، لكن أحداً الآن لا يبدو معنياً كثيراً بعظمة جيمس جويس و فرجينيا وولف مثلاً .. ليس سوى الأكاديميين و ساردي تحولات الرواية . نعم .. صنع البعض تحولات على هذا النحو و لكنهم خسروا الاستمرارية الحقيقية التي حققها آخرون

في مصرنا الحبيبة نطرح دائمامفارقة وهمية مفادها أنك إما أن تكون جاداً بلا قاريء أو هلاساً بلا اعتراف نقدي من السلطة الأدبية . في الغرب تجد رواية واحدة ثقيلة فنياً و " مكسرة الدنيا " جماهيرياً و تحصل على أرقى الجوائز .. و الكلام نفسه بالطبع ينطبق على السينما هنا و هناك . لماذا هذا الفصل المصطنع ؟؟ لماذا هذه الحدية القاسية ؟ لماذا يخشى الناقد عندنا الاقتراب من رواية ناجحة جماهيرياً .. لأنها أكيد " خفيفة " .. و لماذا يهاب القاريء شراء رواية كتب عنها النقاد ؟؟ ..عندنا في حاجة اسمها أفلام مهرجانات و حاجة تانية اسمها أفلام سوق .. و في الرواية هناك رواية قراء و رواية نقاد ..و المحصلة واقع عانى طويلاً من الركود ، و لم يشهد أي حراك إلا عندما بدأ جيل مختلف ــ من الكتاب و القراء على حد سواء ــ يتواصل .. متخذا من فضاءات التواصل الجديدة ، الافتراضية ، طريقة جديدة بعيداً عن قاعات الندوات الضيقة المهجورة و معارك النخبة في الغرف الموصدة .

Monday, November 17, 2008

عملة موحلة


عملة تسقط في قاع بئر

فتخبرك أن الصدى ليس سوى اسم آخر للصمت

أن الشوارع الموحلة

تلائم أشخاصاً وحيدين

ولدوا في الصيف

Friday, October 31, 2008

تكريم طه



لو كان الأمر بيدي ، لاقترحت تكريم " طه عبد المنعم " في مؤتمر السرد الجديد .. بل و لأصررت عليه إن واجه اعتراضاً أو تحفظاً .. طه ليس مطروحاً ككاتب في جيلنا ــ رغم أنه يكتب القصة ــ و تخلى طوعاً عن ذلك من أجل مهمة أخرى لا يستطيع شخص غيره أن يقوم بها .. المهمة هي الترويج لكتابات أقرانه ، و عمل الدعاية لها .. و تعريف الناس بها . طه يدخل يوميا كل مكتبات القاهرة ليقف على آخر الأخبار .. ينشيء البلوجات و صفحات الفيس بوك و الجروبات لمتابعة الكتب الجديدة .. يحضر أغلب الندوات .. و يجيد المناقشة و التحدث في قضايا السرد المطروحة حالياً ، ربما أفضل من كثيرين يعتقدون أنهم يملكون نواصي الكلام .. طه لا يتحدث إلا في الأدب .. و هو يفعل ذلك كأن الأدب هو حياته الشخصية و ليس مجرد نشاط ينتمي إليه .. طه يعرف " دبة النملة " فيما يشهده الواقع الأدبي ، و يكفي أن تمنحه رأس موضوع مؤرق لك ليأتيك بعد دقائق بخبره اليقين . اسمحوا لي أن أقول إن هذا الجيل بدون طه عبد المنعم تنقصه أشياء كثيرة .. ينقصه الدينامو المحرك ، النشط ، الدؤوب ، المتابع و الذي يعوض كسلنا نحن الأدباء

طه عبد المنعم يستحق التكريم في مؤتمر يتخذ جيلنا و كتابته محوراً رئيسياً .. يستحق قدراً من الالتفات لجهده و سعيه لسد ثغرة قاتلة طالما عانت منها الكتابة المصرية .. يستحق الاحتفاء بمعاركه الجانبية ــ التي اختلفت أنا شخصياً معه حولها أكثر من مرة ــ يستحق أن نحتفي به كجندي خلف الكواليس لا يمكن الاستغناء عن خدماته أو إحالته للتقاعد

طه عبد المنعم .. صدقني ، لو كان الأمر بيدي .. لكنت أول المكرمين هذا العام

(:

بمناسبة السرد الجديد

أعتقد أن مصر هي البلد الوحيدة في العالم التي يباهي فيها الروائي بأنه " ما بيعرفش يتكلم عن شغله " .. و التي ينصح فيها النقاد الروائيين ب " ألا يقرأوا نقداً كي لايفسدهم " ..و هي البلد الوحيدة التي كلما قلت فيها " ما تسألنيش عن نصي " كنت من المبدعين النابهين المُلهَمين . مصر هي البلد الوحيدة التي يمكنك فيها أن تجد أديبا يقول للآخر " انت هتنظر ؟؟ " و كأنها سبة ، رغم أن الأديب في العالم كله شخص يحمل معرفة ، و وعيا نقديا ، و يملك قدرة على التنظير لما يكتب و لما يكتبه الآخرون .. هذا ــ للأسف فارق حضاري و ثقافي من ضمن فروق كثيرة تجعل الروائي في أمريكا و أوروبا و أمريكا اللاتينية فيلسوفاً جديداً و تجعله عندنا مجرد شخص قرأ كام كتاب على كام رواية و راح الأتيليه و عرف سكة ناشر وبقى روائي .
أصحاب النظريات الكبرى في العالم مبدعون و ليسوا أكاديميين .. عندك ت . س . اليوت و فرجينياوولف و هنري جيمس و د. اتش . لورانس و القائمة طويلة . أصحاب التحولات النقدية الكبرى في تاريخ الأدب كلهم مبدعون في الأنواع التي نظروا لها .. لأن الأقدر على " تجريد " شكل فني و سبر قوانينه هو بالضرورة واحد من صناع هذا الشكل ، الأكاديميون في الغرب لم يصنعوا التوجهات النقدية و لم يؤسسوا للمدارس الجمالية و لم ينظروا للتيارات ، بل المبدعين أنفسهم فعلوا ذلك .. أما عندنا .. فالكاتب ــ بالضرورة ــ واحد مغمى عليه ، ما يعرفش حاجة غير انه بيكتب : " أنا بكتب و بس " .. متشكرين يا عم الحاج .. " أنا شغلتي أحكي عن ناس شبهي " .. ربنا يكرمك و يخليهوملك .. " أنا مافهمش في النقد والكلام ده " .. كتر ألف خيرك .. و يجيء دور الناقد ، حامل الخيزرانة متجهم الوجه منتفخ العينين من قلة النوم بسبب طول اليوم الدراسي في الجامعة و كثرة الأعمال التي يقرأها ليل نهار .. يتأبطك ، و يسدي إليك نصائحه و انت طبعا لازم تسمع و تفهم لإنك " مبدع " : مساحة بيضاء هفهافة رقراقة .. أنت الشك ــ يا عيني ع الشك ــ و هو اليقين ــ الله عليك يا ناقدنا ــ هو يعرف ماذا كنت تقصد ، و يطلعك على الطريقة التي بنيت بها عملك ، و يحلل لك دواخلك و أنت تنصت ، مكتشفاً بدهشة و براءة مالم يخطر على بال أهلك من أفكار ..
نحتاج ــ كروائيين ــ امتلاك قدرة على قراءة النقد ، و الوعي به ، نحتاج قدراً من المعرفة بما نفعل و نكتب ، نحتاج قدراً من الحرفة ، اللي هي الصنعة .. التي نكرهها مش عارف ليه .. تلاقي واحد يقولك " أنا مش صنايعي " .. إذا كان جابرييل جارسيا ماركيز قال انه صنايعي ، و ان الكتابة زي النجارة .. و الأدب صنعة و نص .. أمال الأدب ايه ؟ ايه الفرق بين رواية مكتوبة و حكاية بيحكيها واحد في الشارع ؟
الروائي في مصر تنقصه القدرة على أن يكون ملماً بمشروعه ، و قادراً على التأصيل لتجربته ، و أن ينسى ــ للأبد ــ مقولة :أنا بكتب و بس

Sunday, October 26, 2008

عم خيري .. رئيس السرد الجديد (:


انفرجت أساريري ، و ابتهجت ، و سرى اطمئنان في أوصالي عندما عرفت أن رئيس مؤتمر أدباء مصر القادم ، و الذي يعقد في مدينة مرسى مطروح في نوفمبر ، هو خيري شلبي بالذات . يليق بمؤتمر عنوانه " السرد الجديد في مصر " أن يكون رئيسه خيري شلبي و لا أحد آخر . على المستوى الشخصي ، عدت بسنواتي 12 سنة كاملة للوراء .. في مؤتمر أدباء مصر الذي عقد عام 1996 بالسويس .. و الذي شاركت به .. و تعرفت فيه بشكل شخصي على العظيم خيري شلبي .كان أكتوبر ، و كان شتاء ، و المدينة الرحبة تتلقى أسئلتي على تراب شوارعها و بامتداد جدران قاعات الندوات و غرف الفندق الذي نزلت به .. الآن تصيبني ارتجافة ما : ها أنا سأقابله مرة ثانية في نفس المؤتمر ، الذي أشارك فيه هذه المرة بورقة رسمية عن رؤيتي للسرد الجدد من واقع تجربتي الروائية و رؤيتي لجيلي .
في المرة الأولى ، كنت في الثامنة عشرة من عمري ، أصدرت لتوي مجموعتي الأولى " طيور جديدة لم يفسدها الهواء " و اصطحبت عددا من نسخها معي إلى السويس .. و اقتربت منه ، لأمنحه نسخة من المجموعة ، موقناً أنه لن يقرأها ــ عادة الروائيين الكبار ولا هيشتروها ؟؟ ــ منحته المجموعة و انصرفت وجلاً ، تاركاً إياه في قلب زحام محبيه و مريديه و هم كثر . اعتبرته يومها نصراً ، أن تكون مجموعتي الأولى بين يديه ، حتى لو لم يقرأها ، فربما قرأها ذات يوم .. غير أن المفاجأة المذهلة كانت في اليوم التالي مباشرة .. رآني ، و نده علي ، و اصطحبني إلى مقهى بعيد حيث جلسنا وحدنا : أنا .. و خيري شلبي ! . بعدها أخرج مجموعتي من حقيبة يده .. معروقة من آثار يديه ، متخلية عن بريق الكتب التي لم تقرأ ليحل محله بريق الكتب التي قرأت .. و انداح الرجل في الكلام عن الكتاب .. و وصفني بأوصاف أرتجف حتى الآن كلما تذكرتها ، ثم أهداني أحد أجزاء أعماله الكاملة و كتب عليه إهداء ــ أرتجف أيضاً كلما طالعته : " إلى ولدي طارق إمام .. أمل القصة المصرية " .. حدث ذلك في الوقت الذي كنت أرى فيه آراءه الحادة التي لاتعرف التذويق تصيب بسهامها كتابا مشاهير و مدعي أدب لامعين و راغبين في الوجود .. يوجه لهم نقده الصريح ببساطة و عمق و يتركهم في ضلالاتهم غير عابيء . فعلها خيري شلبي معي قبل 12 عاماً ، و منحني دفعةضخمة للأمام و أملاً فيما أكتب.. و ليته اكتفى ! لقد ناقش المجموعة بعد ذلك، و تجشم عناء السفر من القاهرة إلى دمنهور ليتحدث عن الكتاب و عني .. و لازلت أحتفظ بشرائط الكاسيت التي تسجل وقائع الندوة الكبيرة .. و التي وضعتني بشكل حقيقي في قلب خريطة الأدب . بعدها صارت أسرة خيري شلبي بأكملها أسرتي .. أزوره في أي وقت ، لأجلس معه .. بصحبة أبنائه : زين و ريم و إيمان .. و زوجته ــ الأم العظيمة لي ــ آكل و أقرأ و أتحرك في البيت براحتي .. و لم يكن " عم خيري " كما صرت أناديه يتحفظ سوى على شيء واحد : أنني أهلاوي صميم و هو زملكاوي عتيد .. و بالطبع لم نصل لشيء يذكر في هذه الجزئية (:
عم خيري أيضا له علي أياد بيضاء و أفضال حقيقية كثيرة يسعدني أن أبوح بها ، و لكني أعرف أن ذلك سيغضبه مني أشد الغضب إن أنا فعلت
من سوى خير شلبي يصلح لرئاسة مؤتمر موضوعه الكتابة الجديدة ؟ هو الجديد .. المتابع الدقيق لما يُكتب ، صاحب الذائقة الرحبة التي تتسع لأشكال كثيرة و لاتنغلق على نمط بعينه أو طريقة دون سواها في الكتابة ؟ .. هو الصريح ، " اللي يقول للأعور انت اعور في عينه " ..هو الذي يعشق التواصل و يصفق لكل ما يستشعر فيه شيئاً جديدا .. خيري شلبي أحد كتاب كبار قليلين جدا أفلتوا من فخ تقديس الذات ، و الاكتفاء بأبراج عاجية و بملابس كهنوتية تخفي تعالياً أصماً .. خيري شلبي أفلت من وهم البحث عن تلاميذ و أتباع و حواريين .. فصار له تلاميذ و أتباع و حواريين من محبيه .. خيري شلبي مبدع يشبه ما يكتب ، و أعتقد أنك لو وضعت روايات خيري شلبي متجاورة و رأيتها من مسافة آمنة .. فسترى وجه خيري شلبي بكل ملامحه و تفاصيله ، حتى نظارته الطبية
أعترف دائماً ــ حين يدور الحديث عن الأبوة الأدبية ــ بأن خيري شلبي هو ذلك الأب بالنسبة لي ، لأنه بالفعل فعلها معي لكن دون تسلط أو وصاية ..
خيري شلبي رئيساً لمؤتمر أدباء مصر .. ياله من تكريم لذلك المؤتمر و كل المشاركين فيه ..ياله من تكريم شخصي لي .. 12 سنة تحول فيها كتابي الوحيد إلى خمسة كتب .. تحولت سنواتي الثمانية عشر إلى واحد و ثلاثين عاماً .. لأتجدد الآن في حضرة الكبير .. خيري شلبي

Wednesday, October 22, 2008

في عشق الضربشمساويين (:


من بين الألقاب التي أحملها ، و التي تنتمي جميعها لمهنتي الأدب و الصحافة ،أعتز كثيرا بلقب " راوي ضربة شمس " و الذي اكتسبته من قراء جميلين ، محبين ، بدأ بعضهم بالفعل يشق طريقه الآن في طريق الكتابة . لمن لا يعرف .. ضربة شمس صفحتان أسبوعيتان بجريدة الدستور يشرف عليهما صديقي خالد كساب .. و منذ نحو عام ونصف بدأت أنشر أسبوعيا حكاية لم أتخيل أن تحرز كل هذا النجاح .. و أن يتحول غيابها النادربين وقت للآخر إلى تساؤلات عديدة تنادي بالعودة السريعة . و الحكايات لها قصة .. بدأت بأول حكاية ، و كان اسمها " رجل عجوز بلا ذكريات " كتبتها و لم يكن في ذهني نشرها و لكني أعطيتها لكساب الذي نشرها في الأسبوع التالي مباشرة .. بعدها كتبت حكاية أخرى بعنوان " زوجة الجواهرجي لا تحب الذهب " .. لم أكن أعتقد أني سأستمر و أن ما أكتب سيصير زاوية ثابتة و مادة رئيسية من مواد ضربة شمس .. و لكن كساب ، في الأسبوع الثالث سألني بحميميته و حماسه المعهودين : فين الحكاية الجديدة يا معلم ؟؟ إحكي يا طارق زاد.. و الصيغة أرعبتني بقدر ما أسعدتني ، لأنها تدل على شيء اكتسب صفة الثبات ..و الدوام . هكذا بدأت الحكايات تتوالى .. و تأخذ شكلها ووضعيتها من محبة كساب و إخراج عاليا عبد الرؤوف المميز و ريشة وليد طاهر الساحرة لتصير التزامي الأول و الأهم طيلة عام ونصف .. و الذي أحرص عليه قبل التزامات أخرى وأمنحه مكانه الرئيسي بين مشاغل كثيرة . أما أهم ما في الموضوع .. فهو الضربشمساويون ــ أقصد قراء ضربة شمس ــ الذين منحوا هذه الحكايات جدواها و أشعروني بقيمتها و حملوني مسئولية ألا أتوقف .. لولاهم ما أفلحت كتابتي و لا حماس كساب و لا ريشة وليد ولا اخراج عاليا في جعل " البضاعة " تكتسب قيمة ليست لها أو أن " تزوق " وجهاً كئيبا كالحا . الضربشمساويون نفخوا في هذه الحكايات من روح خيالهم و أحلامهم و شغفهم و إخلاصهم للقراءة فجعلوها تعني شيئاً .. الضربشمساويون بحثوا عني خارج الحكايات فقرأوا كتبي ــ و كان لهم دور فعال في مضاعفة مبيعاتها ــ و بحثوا عن مدونتي ليصيروا من قرائها و أضافوني شاكرين كصديق لهم على الفيس بوك ليعرفوا أخباري .. فعلوا كل ذلك ــ فقط ــ لأنهم أحبوا ما أكتب و لا شيءآخر ..
الضربشمساويون منحوني الصدق الذي كنت أبحث عنه من كل من يقرأ لي حرفا..و صار لي من بينهم أصدقاء حقيقيون تتوطد علاقتي بهم يوماً بعد الآخر .
كم مرة فكرت أن أكتفي ؟ و أقدمت على ذلك ؟ .. ما تعدش .. خاصة في أوقات الانشغال بمشروع كتابة جديد أو مع تراكم تفاصيل الحياة .. لكن الضربشمساويين كانوا لي بمرصاد المحبة على الدوام !! يجذبونني ، يشدونني من جديد لأواصل الحكي و لأكتشف ــ معهم و بهم ــ أن جعبتي لم تنفد كما اعتقدت .. و أن لاشيء أهم من أن أستيقظ صباح الأربعاء ــ موعد الصدور الأسبوعي للدستور ــ على كل أنواع الماسجات و طرق التواصل تناقش و تحاور حكايتي الجديدة .. حتى حبيبتي مروة .. صارت الحكايات شيئا مشتركا في حواراتنا و كلامنا ..
الحكايات لم تعد مجرد مادة أكتبها أسبوعيا بمنطق الحرفة .. لكنها ساحة خيال أحلق من خلالها مع آلاف الضربشمساويين .. شباب يفرح .. يؤكد أن هناك طوال الوقت شيء جميل في قلب هذا الواقع القبيح .. يشعرك أنك لا تزال تملك رسالة و دورا في وقت آمن فيه الكثيرون أن الكاتب صار بلا دور و لا رسالة .. شباب يشعرك أن هناك مسئولية عليك ألا تتخلى عنها أو تدير لها ظهرك
الضربشمساويون هم القراء الذين يتمناهم أي كاتب على وجه الأرض .. أنا لا أبالغ و أعني تماما ما أقول .. شرائح مختلفة ، تضم المثقف و القاريء العادي و محبي الأدب .. متوسط أعمارهم صغير .. ورغم ذلك يبحثون عن القراءة قبل بحثهم عن فيلم خفيف أو أغنية روشة
أملك الآن ما يربو على 60 حكاية .. كل واحدة منها قطعة من خيالي .. أملك بلدة أسطورية بشخصيات و مخلوقات يعرفها الناس .. أملك اكتشافا جديدا بأنني قادر على كتابة عمل إبداعي أسبوعيا ، و ياله من شيء صعب و رهان معجز
كل ذلك صرت أملكه .. لأن هناك فئة اسمها الضربشمساويون .. يقرأون و يحبون و يتقابلون و يمنحون الثقة لأمثالي بإن.. لسه الأغاني ممكنة
(: ..

Monday, October 20, 2008

wait


قريبا
على البلوج
..........


Saturday, October 11, 2008

(:

ما يعيش غير طعم البيوت
.......................................................................
صورة من حفل خطوبتي
3 / 10 / 2008

Friday, August 22, 2008

حكاية


عندما هبط الملاك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظنوه في البداية ملاكاً .. فقد كان الرجل الذي سقط من السماء فجأة يبدو قطعةً من الجمال الشاحب في بلدة منحت الشمسُ وجوه أهلها لون القسوة الداكن ، و تكفَّل الفقر وحده بجعل ملامحهم تتشابه حتى صاروا ـ رغماً عن أنوفهم ـ أخوة . رآه الجميع يرفرف هابطاً من بين السحب ، حتى إنه عندما اصطدم بالأرض ، كانت ندفٌ تشبه القطن تغمر جسده العاري . كانت عيناه في زرقة السماء ، و لون شعره في صُفرة الذهب البراقة . جسده قوي ، و قامته أعلى من أسطح بيوت البلدة .. أما صوته ـ الذي انطلق بالتأوهات منذ سقوطه القوي من السماء ـ فقد كان يشبه غناء طائر
سقط في قلب البلدة .. على مرأى من الجميع ، قادماً من السموات البعيدة بجروح و كدمات تغمر جسده الشمعي شاهق البياض ، فتبدو كعلامات رعب داكنة . و لأن ذلك حدث في زمن الحرب ، حيث المعجزات هي الحقيقة الوحيدة القابلة للتصديق .. فقد تأكد الفقراء أن الله قد تذكرهم أخيراً بهدية .. غير أنهم لم يعرفوا كيف سيستخدمونها أو يستفيدون منها .. كما أصابتهم حيرة : كيف سيقتسمون هذا الرجل بينهم ؟ و فكروا أنهم حتى لو مزقوا جسده إلى قطع صغيرة لن تكفي كل البيوت . بمجرد أن بدأ يفيق من سقطته مستعيداً القدرة على النطق تأكدت في عيونهم المعجزة : كان ينطق بعبارات تنتمي للغة غريبة لم يسمعوا بها من قبل ، خمنوا أنها لغة الملائكة . هكذا نسي أهل البلدة مؤقتاً حزنهم على أبنائهم الذين يذهبون للحرب و لا يعودون .. و اختفت الدموع فجأة ، و الصرخات القادمة من ظلمة الغرف الفقيرة الضيقة داخل البيوت ، و الآلام المعجونة بلون التراب .. مقدرين أن ذلك الملاك يحمل تعويضاً ما ، قد يكون غامضاً الآن و غير مفهوم ، غير أنه لن يلبث أن يكشف عن سحره الدفين


عندما تجاوز الأهالي رهبة الأيام الأولى ، و تجرأوا على الاقتراب منه بل و ملامسته .. اكتشفوا عدداً هائلاً من القطع الذهبية متناثرة حوله .. اقتتلوا من أجلها ، مات من مات و نجا من نجا .. قبل أن يتفقوا ـ مع تزايد أنهار الدماء التي غمرت الشوارع و صبغتها بلون الحناء و عبرت أبواب البيوت حتى استقرت بداخلها و بدأت زحفها على الجدران لتخفي ملامح صور الشهداء على الحوائط ـ على ألا يحدث شجار آخر .. خاصة و أنه منحة إلهية لا يجب أن تُهان أو يُساء إلى قدسيتها . اتفقوا بعد جلسات مطولة على أن تستضيف كل أسرة منهم الملاك يوماً .. و تشاجروا من جديد على ترتيب الاستضافة بين الأُسر ، و كادوا يقتتلون مرة أخرى .. إلا أنهم اتفقوا في النهاية على أن تبدأ الاستضافة من الأغنى للأفقر .. و رغم أنهم جميعاً كانوا في النهاية فقراء ، إلا أنهم بدأوا ، و لأول مرة في تاريخ البلدة ، يحصون ممتلكاتهم القليلة ليميزوا أنفسهم طبقياً .. و رغم أن الحرب ـ و منذ بدأت ـ كانت قد جعلتهم بيتاً واحداً ، إلا أن كل ذلك انتهى الآن .. فجأة ، و بكل القسوة الممكنة


أخيراً اتفقوا .. و كانت نعوش الأبناء في هذه الأثناء تأتي و تذهب ليخفيها التراب دون أي طقوس أو دموع كأنها تخص أشخاصاً آخرين لم تكن لهم ذات يوم أرجل حية تلهو فوق هذا التراب بالذات . حتى صور الراحلين لم تعد تُعَلَّق على الجدران .
الغريب ، أن الفأل الحسن للرجل ما لبث أن تحوَّل إلى لعنة .. فمع كل بيت يبيت فيه كانت النساء يستيقظن على دماء أزواجهن و أبنائهن الذكور ، مقتولين بقسوة . و رغم أن الأمر صار يتكرر يومياً و بنفس الطريقة .. إلا أن من لم يستضيفوه بعد كانوا يجازفون ، موقنين أن الخير ربما يكون من نصيبهم هذه المرة .. و هو مالم يحدث أبداً . و لم يمض وقتٌ طويل حتى كانت البلدة قد صارت بلا ذَكَر ، إلا الرجل الغريب الشاحب


عندما انتهى من مهمته ، خرج أخيراً ليتجوَّل وحده في شوارع البلدة . . ثم عاد إلى بيوتها واحداً واحداً ـ بادئاً بالأفقر فالأغنى هذه المرة ـ ليحصل على متعته اللازمة من النساء و الفتيات . . و كان قد استرد عافيته و اشتدت قوته ، و صار جسده بلون الدماء الغزيرة التي شربها .. و أدركت النساء و الفتيات أنه ليس سوى رجل مجهول جاء بخدعة مُحكمة . و حين قرر أن يعود إلى السماء ـ على مرأى من العيون المهزومة المتطلعة من شُرفات البيوت ـ لم يرفرف مثلما جاء .. و لكن هبطت طائرةٌ ضخمة صعد سلالمها بثقة .. رأت فيها العيون التي تحجرت فيها الدموع علامة مرعبة لعدو .. و أدركن في هذه اللحظة فقط ، أن الحرب قد انتهت

...................................

من حكايات الدستور

Thursday, August 21, 2008

طعم الحاجات بيعيش ساعات .. و يدوب قوام .. و قوام يفوت


حاجات كتير حصلت و ماكتبتش عنها هنا

عيد ميلادي فات

الناس هنُّوني و انا ما هنِّتش نفسي

3 ،، 4 ندوات لكتابي

حبيت و كرهت

كتبت في جرايد ومجلات

و اتحبيت تاني من بنات

مابقتش ملاحق ع الدنيا

و كل ما ابص على الآخرة على سبيل التغيير

اكتشف ان فيه ناس برضه مش ملاحقين عليها

مات يوسف شاهين

و رؤوف عباس

و عبدالوهاب المسيري

و محمود درويش

مين يزود ؟؟

تامر نزل شريط

و حماقي حصله

و هيثم شاكر زعلان

الأهلي لسه بيكسب

بس بقى بيخسر برضه

أختي سارة حامل في السادس

خلاص هبقى خال

عقبال ماابقى أب

يا رب

(:


كل مااجي أكتب هنا

ألاقي حاجات محتاجها البيت

و اللي يحتاجه البيت يحرم ع البلوج

شغل مطلوب في المجلة و كام جرنان

حاجة جديدة بعافر في كتابتها

واحدة بقابلها دايما من غير معاد

وواحدة كل ما اديلها معاد ما اروحش

صحاب ع القهوة

بقيت بقابل القهوة أكتر ما بقابلهم

طب اكتب عن إيه ولا إيه ؟

عيد ميلادي .. و عدَّى

اللي ماتوا .. عدُّوا

إيدي ع الكيبورد مش مطاوعاني

عموماً

سامحوني

والله العظيم أنا عامل زي عملة فضة

بترن قوي

لكن ما حادش عارف مكانها بالظبط

و خصوصاً

أنا

(:

Tuesday, July 22, 2008

هدوء القتلة في ميريت ... يعني على أرضي و بين جمهوري


اليوم ــ الأربعاء ــ تقيم دار ميريت ندوة لمناقشة روايتي هدوء القتلة

الساعة 8مساء

طبعا الندوة في ميريت لها مذاق خاص جدا

لأنها فعلا على أرضي و بين جمهوري زي مابيقولوا بتوع الكورة

تمنياتي لكم ، و لنفسي بندوة لذيذة خفيفة

و آسف على إعلاني المتأخر عن الندوة في نفس يوم انعقادها

أنا أصلي بقيت عامل زي الجرايد اليومية

عايش اليوم بيومه

((:

عنوان ميريت
ب6
شارع قصر النيل ، بجوار سينما قصر النيل

الدور الثاني

Saturday, June 14, 2008

أنا فين ؟؟


فيه سؤال بيضايقني قوي ، بيضايقني فعلا لما حد يقابلني ، و يسألني ، قال يعني كنوع من الحميمية : انت فين ؟ و الحقيقة أنا عمري ما فهمت معنى السؤال ده و لا قدرت اكتشف مناطق الحميمية المختبئة بين ثناياه . هو المفروض الواحد يكون فين و مابيبقاش موجود ؟ و الله العظيم لو حد قاللي هكون ممتن و هحرص على التواجد في الحتة اللي المفروض اكون فيها.المشكلة ان الإجابة في كل الحالات بتكون مش مرضية .. يعني لوقلت : والله باجي القهوة بس مش بشوفك ، يقول لي : هي الحياة قهوة بس ؟ ..و النماذج على الإجابات اللي من النوع ده كتير . الفترة اللي فاتت قررت أكرس جزء من وقتي لمحاولة الحصول على إجابة .. و كل ماواحد يسألني انت فين ، أقوله ببراءة حقيقية هدفها المعرفة البريئة : هو انا مفروض اكون فين ؟ فيضحك مثلا ، أو يسكت بتضرر بمنطق اني بتعالى عليه .. مع اني فعلا عايز افهم . أخيرا واحد جاوب عليا بعبارة غارقة في عسل الشاعرية و مدهونة بالشجن :قصدي انت فين منِّي ؟ و الحقيقة ما فهمتش قصده ،و ماعرفتش اجاوب لإن السؤال ده بالنسبالي بناتي شوية .. و لإني برضه معرفتش مفروض اكون في انهي حتة منه بالظبط .. سألته ــ ببراءة برضه ــ انا فين من انهي حتة فيك ، فاعتبرني قبيح و فهمته غلط

و النبي يا جماعة حد يقوللي .. مفروض أكون فين .. بس مش منّه

(:

مقال إبراهيم فرغلي عن ( هدوء القتلة ) في النهار اللبنانية

"هــدوء الــقــتــلــة" لــطـــارق إمـــام
كتابة حديثة بدماء جثة السرد التقليدي
!
............
إبراهيم فرغلي
بـ"هدوء القتلة" ضرب طارق إمام نصلا عميقا في جثة النص السردي التقليدي، بيده اليمنى على ما أتصور، وباليسرى كتب، بدم بارد، على جثة القتيل نصاً سردياً حديثاً، ومبتكراً، بامتياز. تماما كما يفعل بطل روايته سالم؛ القاتل المتسلسل الغائب في رؤاه، الذي يقتل ضحاياه بيده اليمنى، ليكتب باليسرى قصيدة جديدة مع كل ضحية، تاركاً سطوراً من الدماء تحيا بامتداد المدينة، بعد أن يعثر على مخطوط قديم لناسك كهل مجهول، يقود روحه، ويتخذ من مخطوطه كتاباً مقدسا يدير له حياته الخاوية.على الرغم من الطابع التأملي الذي تتسم به الرواية، فإن طارق إمام غلّف هذه التأملية والأفكار الذهنية، والفلسفية أحيانا، بحالة من المشهدية عبر صور ومشاهد تعطي هذا النص وجها من أبرز وجوه قوته، وتتكامل لتصوغ معا، حالة خاصة؛ تضفي تأثيرا يشبه مشاهدة فيلم، يدور في أجواء غامضة، ضبابية، في مدينة شاسعة، لكن أفرادها معزولون، أو تكاد تكون خالية.هذا النص مشغول بالتفاصيل، لكن كل تفصيل، يحيل على حكاية أخرى في الخلفية، وكل مشهد يتولد من تلك التفاصيل يؤدي بالراوي إلى مجموعة من التداعيات تتأرجح، على امتداد النص كله، عند الحد الفاصل بين الواقع والخيال.لو شئنا الدقة، فإن النص إجمالا ينتمي تماما الى الخيال، وهذا وجه آخر من وجوه تميزه، بينما الواقع ليس سوى محاولات مبتسرة للإيهام بوجوده، إذ ليس سوى واقع افتراضي أو خيالي. فقد يتطلع الراوي إلى واجهة محل زجاجي، يحدق الى المانيكانات، أو نماذج الدمى التي تعرض الملابس. سرعان ما نجد هذه المانيكانات تتحول جزءاً من نسيج السرد، فتتولد فيها طاقة تحركها في مسيرات ثورية، وتطوف حولها أساطير تقول بهرب فرد منها من قبضة الشرطة، حيث يشاهد، بين آن وآخر، يتأمل أقرانه بعدما تمّ وضعهم جميعا خلف واجهات زجاجية، بينما تثور داخله أسئلة عن فكرة القيد والسجن، لدى مقارنة حال هذا المانيكان بحال الجيل الثاني من المانيكانات المسجونة خلف الزجاج.تبدأ التداعيات بمشهد لطائرات ورقية تحلق في فضاء المدينة، ثم تحيلنا الطائرات المعدنية، بضوضائها، وصخبها العنيف، على الغرباء الذين يغفون فيها متعبين، يرقبون خرائط العالم من نوافذها، بينما ترقبها في الطريق، إضافة الى الراوي، مجموعة من المقعدين على كراسيهم المتحركة، ينطلقون في أسراب، يشاهدون الطائرات، وينتظرون أن يتسببوا، باندفاعاتهم العنيفة، في سقوط ضحية جديدة، تنضم إلى سربهم في اليوم التالي. ومنها إلى مشهد لأماكن يستقر فيها المعتقلون، بينما تغطي أصوات الطائرات على أصواتهم فلا يسمعها أحد.في كل مشاهد الرواية تتداعى مثل هذه الصور وغيرها، لكن اللافت تلك العلاقات الثنائية التي يفيض بها النص عبر تداعيات الراوي: فعندما يتحدث عن بيوت جديدة يشير إلى أن كل بيت جديد مكتمل يعني مقبرة جديدة مكتملة في مكان ما. وعندما يتحدث عن إحدى ضحاياه من أصحاب العاهات، بساق واحدة، يجري مقارنة بين الساق الخشبية والأخرى السليمة. وعندما يستقل سيارة أجرة يجري مقارنة بين المشهد الضبابي الممطر للمدينة من نافذته المغلقة والمدينة الحية كما تظهر من نافذة السائق المفتوحة، انطلاقا ربما، من الثنائية الجوهرية التي يتأسس عليها النص بين يدي هذا القاتل الذي يقاوم عراك يده اليمنى التي يستخدمها في القتل، مع يده اليسرى التي يكتب بها الشعر.كأنها مقابلات فنية، على مستويات عدة، بين الفن والوحشية، بين الموت والحياة، بين القبح والجمال، وفي الأساس بين تناقضات الكائن البشري وازدواجياته التي لا تحصى. وايضا كأنها ثنائيات فلسفية، ومقاربات فكرية، مرسومة بعناية، وحرفية في لوحات فنية سردية.يتعدد ضحايا القاتل، من مصور فوتوغرافي إلى جابر صاحب الساق الوحيدة، وبائعة الورد المحجبة، وإحدى مريدات الأولياء في مولد من الموالد، وصولا الى الإسكافي، وجارته العجوز، وعشيقته سلمى التي قتلها مرتين!يبدو القتل الثنائي لسلمى كأنه تأكيد لمنطق الرواية التي تقول بكل الوسائل الفنية، أنه لا توجد حقيقة واحدة، وأن منطق الأشياء قد يختلف بين كائنين متلاصقين، وأحيانا بين عضوين متماثلين لكائن واحد! وهو من جانب آخر تأكيد للطابع الفردي، كسمة حديثة في مجتمع يفقد واحدة من صفاته الأساسية العتيقة، وهي قيمة الجماعة لمصلحة الفرد. وللعزلة التي يعيشها هذا الفرد في الوقت الراهن بشكل عام.أخيرا تظهر شخصية هناء التي تبدو، حتى اللحظة الأخيرة، مشروعا لضحية من ضحاياه، لكنها، وبعد أن تتعرى له، تفاجئه بما لا يمكن أن يتوقعه.تتخلص الرواية من ميراث ثقيل من الإيديولوجيا، والتحليلات الاجتماعية، وحتى من خلق مجتمع طبقي وفقا للتراتبات الاجتماعية. ولعل مشهد المقعدين في مقارناتهم لأسباب عجزهم، يوضح الطريقة الفنية التي يتأمل بها النص فكرة التراتبية: "فمن فقد ساقيه في حرب مجيدة لا يمكنه أن يستوعب أنه يتساوى وذلك الذي فقدهما في حادث طريق عارض. لا يمكن من سقط من منطاد بينما يطارد سموات غير مرئية أن يكون أخا لعابر التهم القطار ساقيه أثناء سهوه". هذه الرواية لا تؤمن بسوى الفن، يدعمها الحس الساخر الباطني للنص، فكأنه نموذج للتعبير عن الهم الحقيقي للرواية بوصفها بحثا عميقا عن الهم الإنساني، على ما يقول ميلان كونديرا. وبينما شاع أن من فضائل النص الحديث الاختزال والتكثيف، اللذين برع فيهما طارق إمام مسيطرا على لغته الخاصة والجميلة، إلا أن الكاتب، في الوقت نفسه، لا بد أن يمتلك إحساسا داخليا، وميزانا ذاتيا، يتيحان له أن يضرب بعرض الحائط، إذا اقتضى الفن، كل مقولة لا تتفق وروح النص. فبسبب الإيجاز والاختزال افتقر النص الى مساحات كبيرة من التداعي كان في الإمكان أن تتاح بسهولة في نص مثل هذا قوامه الخيال؛ الذي لا يبدو الكاتب مفتقرا إليه على أي نحو. بل كأنه بذلك بدّد قماشة رائعة وأصيلة مجانا وبلا مبرر تحت ضغط مقولات نظرية لم تُختبر بشكل كامل. هذا الهدر المجاني لانسيال النص وتدفقه، والامتناع عن الاستمرار في غزله، على الرغم من توافر خام النسيج، أعطى الرواية طابعا تجزيئيا، إلى حد أنها بدت، في غير موضع، كأنها فصول لا علاقة في ما بينها، أو كأنها مشاهد تنتمي الى فكرة واحدة، لكنها تفتقر الى عناصر توحدها. لماذا يخشى كتّاب الأجيال الجديدة من طول النَفَس؟ ولماذا يقتّرون على قرّائهم باكتمال المتعة؟ سؤالان يجب ان يواجههما الكتّاب من التسعينات ومن اللاحقين، وإلا فالنتيجة غالبا ما ستكون ركاما من نصوص مبتسرة
...................................
إبراهيم فرغلي
جريدة النهار اللبنانية

Friday, May 02, 2008

بمناسبة نفاد هدوء القتلة .. و ندوة الكتب خان

طارق إمام في أول صورة بعد نفاد هدوء القتلة
(:
من اليمين للشمال : مشيرة محمود ــ مروة عبدالله ــ أنا ــ ابراهيم عادل ــ د. زين عبد الهادي ــ شادي أصلان

كل شيء دعم اليوم الجميل في مكتبة الكتب خان في هدوء المعادي الذي استضاف هدوء القتلة فصار صاخبا ، و على شرف مهندسة الندوة كرم يوسف
ندوة رائعة ، دعمها الحضورالكبير المحب لنخبة من أساتذتي و أصدقائي .. فضلا عمن قرأوا الرواية و جاءوا لمناقشتها ..مناقشة جادة ولا أروع
ثلاث ساعات من النقاش الحميم الممتع كان يمكن أن تمتد لمثلها
و كل هذا كان مغلفا بالخبر المبهج : نفدت هدوء القتلة بعد أقل من 3 شهور على صدورها .. لتكون أولى الروايات النافدة هذا العام .. اللهم دمها نعمة و احفظها من النفاد
(:
سعيد بالحضور المميز لأستاذي مكاوي سعيد ،الذي تحدث بعمق جميل .. و للدكتور زين عبد الهادي بمداخلته المهمة النافذة ،و بصديقي الخاص جدا شادي أصلان ، اللي معايا في كل مكان صحرا ان كان أو كتب خان . شاكر للروائية اللبنانية الجميلة لنا عبد الرحمن التي منحت اليوم لكنة نقدية مميزة .. و لسمر نور و علا الساكت و طه عبد المنعم و إبراهيم عادل
وشاكر لفتاة جميلة اسمها ماريهان ، تعرف كتابتي ربما أفضل مني ، و تملك حاسة نقدية تفوق بعضا ممن يحملون على أكتافهم اللقب المقدس/ د
الثنائي المبهج مشيرة محمود و مي بهاء فعل فعلته كالعادة بدعمي ، و على فكرة الصور دي بعدسة مي الرائعة
و ماوريتا الجميلة ــ مروة عبدالله ــ كانت متألقة ، ده شيء بديهي يعني
(:
.........................
الطبعة الثانية من هدوء القتلة قريبا

Saturday, April 26, 2008

احضر ( هدوء القتلة ) بالمجان في مكتبة الكتب خان

يوم الأربعاء القادم 30 ابريل 2008
الساعة 7 مساء
الموعد المرتقب الذي طال انتظاره
بالنسبالي يعني
(:
ندوة لمناقشة رواية هدوء القتلة في مكتبة الكتب خان بالمعادي
و التي اختارت الرواية ككتاب شهر ابريل
يشرفني بالمناقشة و المناوشة
الكاتبان الكبيران
إبراهيم عبد المجيد
مكاوي سعيد
و الحضور
،
الدعوة لم تطلها يد الخصخصة
يعني دعوة عامة
في انتظاركو
......
العنوان
3/1
شارع اللاسلكي ـ المعادي الجديدة
ودي خريطة للوصول للمكتبة



Saturday, April 19, 2008

قاريء إمام ((:


ذات ظهيرة ، كنت جالسا مع أديب شاب على أحد المقاهي ، و مر شاب ـ أصغر سناً بقليل من الأديب الذي يجلس معي ـ فناداه زميلي بلهفة .. و ما أن اقترب منا حتى عرفني عليه قائلا بفخر، و قدر من نبوة ، وقدر من كبرياء : فلان .. واحد من قرائي . المسألة اعتبرتها يومها نوعا من ممارسة السادية على شخص لم يقترف ذنبا سوى أنه قرأ للأخ واحدا من كتبه ، و مش بعيد يكون أهداه ليه كمان ..بعدها توجه الأديب الشاب بالقاريء الشاب إلى صاحب المقهى ، و طلب منه الأديب ـ و ليس القاريء و الله ـ التقاط صورة تذكارية لهما بعد أن عدل من وضعية إحدى خصلات شعره المجعد التي انتصبت كقشة فوق جبينه .. زين الأديب الشاب بالصورة جدران مدونته بعد ذلك ، مشفوعة بصور مشابهة مع ضحايا آخرين .سألت نفسي ببساطة : ليه بيعمل كدة ؟ و لأن الأديب الشاب في هذه الحالات ممكن ينكش شعره و يقف على مشطي قدميه و يصرخ : أنا مش أديب قزعة .. أنا طويييل و اهبل .. فقد آثرت الصمت ، لأني أعرف أن الكُتّاب قليلون أصلا في البلد و العملية مش ناقصة

أستدعي هذا الموقف كثيرا كلما فكرت في علاقة الكاتب بالقاريء ، كيف تنظر لقارئك ؟انه سؤال جوهري مهما ادعى أشدنا تكبرا أنه لا يشغل حيزا من تفكيره .. كل منا يكتب و في ذهنه قاريء بعينه ، قاريء نموذجي ، قاريء خُلق له وحده .. كل منا له شريحة معينة تعجبها كتابته أكثر من شريحة أخرى ..يراهن عليها ، يداهنها و يخطب ودها ، و لولا اختلاف الأذواق لبار ت الكتب . غير أن الاختلاف الجوهري في السنوات القليلة الماضية جاء مع طفرة قراء الروايات تحديدا ، و نجاح الأعمال الروائية على مستوى أوسع من دائرة النخبة ، حتى صارت فكرة الإجماع التي كانت مستبعدة مطلبا ، إن لم يكن عند الروائي الذي يريد أن يباهي بنفاد كتابه ، فعند الناشر اللي عايز يكسب ..و هنا برز القاريء الحقيقي ..القاريء بمعناه الكلاسيكي الذي لم نعرفه، أقصد القاريء غير الأديب .. لأننا تعودنا منذ نعومة أظافرنا أن القاريء كاتب .. و تسبب في ذلك نخبوية النشاط الأدبي و محدودية انتشاره ، بل و احتقاركلمة ( قاريء ) أحيانا.عادت شريحة القراء .. و عادت معها حفلات التوقيع .. و انتشرت المكتبات ، و بدأ الروائيون ـ و أنا منهم ـ يستمتعون بقدر من النجومية لم يكن متاحا للأجيال السابقة .. و لعبت المدونات لعبتها .. و جاء بعدها الفيس بوك ليصبح البعد الاليكتروني سلاحا فتاكا في خلق قاريء جديد لم يكن يقرأ من قبل سوى روايات الجيب
أعود لهذا القاريء ..البني آدم الذي يحبك ، و يعتبر توقيعك على كتابه انتصارا ، و يلقبك بأستاذ ، و يجعلك تقول للناشر بثقة : الرواية نفدت و لا لسة ؟ كيف تفكر في علاقتك به ؟ هل تتعامل من منظور المسافة الضرورية بينكما باعتبارك منتج السلعة و هو مستهلكها ؟ أم تنتمي للرؤية الأقدم التي ترى كلاهما منتج للنص ، كل بطريقته ؟ أم تراه أهم منك ، لأنك بدونه ناقص و عملك لم يخرج للنور، لم يتحقق فعليا ؟ أم ترى نفسك لست بحاجة لخطب وده بالأساس ولا الاعتناء به، منتميا لصورة المثقف النخبوي الذي يرى أن العدد في الليمون و أن نجاح كتاب في السوق لا يعني جودته ؟ مبررا ذلك بأن اللي عاوز يتشهر بجد يروح يلعب كورة أو يمثل أو يغني أحسن له ؟
لنلاحظ معا أن قاريء الرواية الجديد قلص كثيرا من سلطة الناقد الأدبي ، الذي لم يعد معيار النجاح من عدمه .. فحتى سنوات قليلة كان نجاح رواية يتحدد بالدراسات التي كتبت عنها ..وبقدر الحفاوة النقدية بها .. و كان أول شيء يفكر فيه الروائي كتابة قائمة بالنقاد الذين سيهديهم روايته .. انتهي هذا الوضع أو كاد .. و كثيرا ما يلتفت النقاد الآن لأهمية رواية بعد نجاحها الفعلي و انهمار التقارير الصحفية الخفيفة حولها . هذا الانزياح يجب في ظني ألا يمر مرور الكرام .. لأن له دلالة ، و ستترتب عليه نتائج ..لأنه يعني أن السلطة من الآن فصاعدا ستصير للقاريء وحده .. و إذا سارت الأمور على الوتيرة التي تسير بها الآن سيصير دور القاريء في تحديد المجريات أعمق ، و سيطلب صديقي الروائي الشاب التقاط صورة بعد ذلك مع هذا القاريء و هو يرى نفسه أقل منه و ليس العكس ..و هنا يبرز سؤال أخطر : هل سنصير مثل صناع الأفلام نكتب ما يريده الجمهور لتنجح رواياتنا و نشتهر ؟ أم سندير ظهورنا و نعود لعزلتنا التي غادرناها قليلا مكتفين بقراء قليلين و بنقاد أقل يمثل التفاتهم لنا غاية النجاح ، و كإنك يابو زيد ما غزيت ؟ .. بالتأكيد هناك صيغ متوازنة بعيدا عن هذين الحلين الحديين ، و لكن ما أدراك أن التوازن ليس سوى قدر من الوسطية البغيضة أحيانا ؟ لن أكذب عليكم .. أنا لم أتخيل أن تحقق روايتي الجديدة هدوء القتلة كل هذه المبيعات ، و أن تدخل ضمن الأعمال الأكثر مبيعا .. لأنني لست من الكتاب الذين ينظرون للنجاح الجماهيري .. يعني لو جه أهلا و سهلا ، و لو ماجاش أهلا و سهلا برضه ..كما أنها رواية صعبة في تقنياتها ، و لكنها رغم ذلك أعجبت القراء البريئين ، اللي مش مضطرين يكملوها لو ما عجبتهمش ..بنفس قدر الاحتفاء النقدي بها .. و لكنني ضبطت نفسي متلبسا بالتفكير في الرواية القادمة .. و بأمنية أن تنجح مع من لا أعرفهم .. و هو شيء مربك .. لم أفكر فيه من قبل ، بامتداد خمسة كتب أصدرتها حتى الآن . بدأت أخشى القاريء ، و أتمنى ألا أفقده .. أدركت بيني و بين نفسي أنني أعيش حالة ممتعة خارج القراءات الضيقة من أهل الحرفة ، المحتفظين على الدوام برباطة جأشهم ، والأدهى من ذلك أنني لا أملك موقفا من هذا القاريء ينتمي للخيارات التي طرحتها منذ قليل. الشيء الوحيد اللي انا متأكد منه إني مش هفكر آخد صورة مع قاريء إلا لو هو طلب ده ، أو طبعا لو كان آنسة جميلة جدا أتباهى بيها قدام اصحابي و اقول : المزة دي إحدى قارئاتي
!!..

Thursday, April 10, 2008

معقول كل الناس دي بتحبني ؟؟

طاهر ــ طارق ــ محمد
سالم الشهباني ــ طاهر ــ محمد أبو زيد ــ طارق
يوم 7 ابريل كان من الأيام الجميلة في حياتي .. حفل التوقيع في مكتبة ديوان الزمالك كان تحفة .. حضور ضخم .. كل الأصدقاء كانوا
موجودين ..تغطية صحفية و إعلامية مكثفة .. و فوق كل ده معايا صديقين بحجم محمد فتحي و الطاهر شرقاوي .. طب الواحد عايز إيه أكتر من كدة ؟؟
بشكر كل أصدقائي اللي نوروني و حسسوني بالدفا .. من عمر طاهر صديقي التاريخي اللي عمللي مفاجأة جميلة وجه أول واحد ومشي آخر واحد، لشادي أصلان أحدث صديق حقيقي عرفته .. و من رفيق الكفاح أحمد العايدي للنسمتين : مي بهاء و مشيرة محمود
..............
بشكر أسماء هذا الجيل التي منحت اسم طارق إمام معنى بينها : باسم شرف و محمد أبو زيد ، العايدي و نائل الطوخي و محمد عبد النبي ، هاني عبد المريد و محمد الفخراني ، سهى زكي و نهى محمود وسمر نورو سالم الشهباني و غيرهم
.................
كل الشكر لجريدة البديل اللي عملت تغطية محترمة و احتفت بينا بشكل غير مسبوق
كل الشكر لجريدة الدستور التي غطت الحفل أيضا بشكل جميل
................
كل الشكر لكل بني آدم اشترى نسخة من روايتي بفلوس كان ممكن يشتري بيها حاجات تانية
كل الشكر لكل واحد قرا سطر كتبته ، أو كتب عن حاجة كتبتها
شكرا لكل اللي ساهموا ف نجاح الرواية و منحوها لقب : الأكثر مبيعا
..............
أنا ممتن
الفوتوغرافيا للصديق العزيز محمد أبو زيد

Wednesday, April 02, 2008

حفل توقيع .. بجوار فانيليا القتلة

يوم الإثنين
7
ابريل 2008
الساعة
7 مساء
مكتبة ديوان ــ الزمالك
حفل توقيع ثلاثي الأبعاد


محمد فتحي
بجوار رجل أعرفه
..........................



الطاهر شرقاوي
فانيليا

...................................................

طارق إمام
هدوء القتلة


في انتظاركم


Sunday, March 30, 2008

فضيلة السكن في شقة مفروشة

أول ما ابتديت اسكن في شقق مفروشة كنت مكوِّن صورة غرائبية عن المسألة ، في ذهني شقة مفروشة يعني صاحبتها واحدة ست ، في منتصف العمر لكن لا تزال تحمل آثار جمال قديم .. و تعيسة لإن جوزها مسافر أو متوفي أو موجود لكن صحته مش مساعداه .. و انا الواد اللي بصحته بقى .. صورة سينمائية تافهة لكن كانت موجودة جوايا .. الى جانب ده شقة مفروشة يعني مكان فاضي ، و شيطان عمال بيلعب في الأركان و بنات ماليين الشوارع .. يعني الخطيئة في قمة فورانها .. و انا في النهاية بني آدم ، و البني آدم خطاء
في الحقيقة الشقق المفروشة تحديدا هي اللي علمتني الفضيلة ، و خلتني طول الوقت حاسس بذنب خفي مصدره إني أملك ثروة ممكن أصحابي يحسدوني عليها و لا أستخدمها رغم ذلك إلا فيما حلله الله .. و الأسوأ ان اصحاب البيوت اللي بسكن فيها سرعان ما بياخدوني نموذج ع الاستقامة و الأدب بلا أي سبب منطقي في الواقع ، و يضربوا بيا المثل للسكان الجدد ، باعتباري شخص بيتحرك من البيت للشغل و من الشغل للبيت ..رغم اني برجع وش الصبح و بخرج بالليل كتير ... و من ناحيتي بستجيب لشعور مرضي باللذة المازوخية و ببالغ في استقامتي مرغماً لأتلقى دعوات التوفيق المتبوعة بالحنق على بقية الشباب اللي في سني .. الصيع بتوع البنات اللي مطولين شعرهم ـ على فكرة في أغلب المواقف دي بيكون شعري طويل بالفعل و مش متسرح أحيانا .. أما لو حطينا في الاعتبار ان لا ملامحي ولا طريقة لبسي بتعكس صورة شخص ملتزم و ف حاله .. فيبقى انا فيا حاجة لله
علاقتي الشرعية بالشقق المفروشة المدعومة بالوحدة النظيفة خلت الشيء الوحيد اللي ممكن اعمل معاه علاقة سرية جوا الشقة هو الحاجات اللي الناس اللي قبلي سابوها ، لإنهم نسيوها أو لإنهم اعتبروها مش مهمة و هم بيودعوا الجدران ..في الغالب عملية التنضيف اللي بتسبق مجيء ساكن جديد مش بتكون متقنة ، لإن البواب مش ضامن هتدفعله مقابل ده ولا لأ ، فبيستنى لما تسكن و بعدين تطلب منه ينضف .. هايقولك والله منضفها .. هتقوله عارف يا باشا بس عايزين كدة وش تاني على روقان، و تطلعله اللي فيه القسمة .. أنا بقى اكتشفت ان الوش الأولاني كفاية قوي .. و بقيت الوشوش دي شغلتي .التذكارات المهملة دي بعرف منها حاجات كتير عن الشخص اللي كان عايش قبلي .. و اتخيله .. و بعد فترة بوصل لإني ابقى متأكد اني لو شفته في الشارع هعرفه و اقول له مش حضرتك كنت ساكن في الشقة الفلانية ؟ الحاجات اللي بتكلم عنها ممكن تكون علبة سجاير منسية ، أو شوية ورق بيدل على جزء من المهنة ، أو كلمات مكتوبة في لحظات ضيق ووحدة ليها علاقة بالدنيا و الحب وكدة .. أو صورة قديمة
مش عارف ليه حسيت بعد كدة فجأة اني أناني ، لإني لما بسيب مكان مش بنسى ورايا حاجة .. و أي حاجة مش لازماني بقطعها ..طب و اللي هيسكن بعدي يسلي وحدته ازاي ؟ خصوصا لو كان مؤدب ؟ فبقيت اسيب الحاجات اللي مش محتاجلها .. حاجة كدة من ريحتي تحسس اللي بعدي انه مش في بيت أشباح ، و ان فيه واحد قبله كان عايش هنا و متصالح مع الحيطان
هو ممكن يسأل صاحب العمارة عن الشخص اللي كان ساكن قبله و اللي نسي حاجات ، فصاحب العمارة يحكيله عني .. فيبدأ يعرفني من غير ما يشوفني ..و يتخيل شكلي .. و مين عارف .. مش مستبعد نتقابل مرة بالصدفة ونقول كلام كتير مدعوم بابتسامات و احنا مش مصدقين .. و نتأكد ان الدنيا فعلا صغيرة ، مجرد أوضتين و صالة و سرير بينام عليه كل الناس بالدور من غير ما ياخدوا بالهم

حكاية

جبل الكحل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أي مكان في بلدتنا الصغيرة ، كان يمكنك قديما أن تشاهد جبل الكحل الضخم داكن الزرقة ، منتصبا بشموخ عند تخوم البلدة . عند الجبل تجلس المرأة الحكيمة ، التي لا تملك سوى عين واحدة في منتصف وجهها .كانت عينها واسعة جدا و مكحولة على الدوام و فيها ثلاث حدقات و ليس اثنتين مثل كل البشر .. لذلك كان البعض يسمونها : المرأة ذات العين الواحدة ، و يسميها آخرون : المرأة ذات العيون الثلاثة ، و كان كل فريق يملك بعض الحق في وصفه . إنها امرأة غريبة ، كانت تسلي وقت فراغها بوضع حفنات قليلة كل صباح من المسحوق الناعم حول عينها ، لتكحلها ، فيزيد اتساعها . كل من رأوها قالوا إن عينها جميلة بالفعل .. تتحرك فيها ثلاث حدقات مختلفة الألوان : واحدة سوداء ، وواحدة زرقاء ، وواحدة خضراء .. تبدو كأنها ثلاث سمكات زينة تسبح في بئر واسعة بيضاء . رغم ذلك لم ينكر من رأوها وجهاً لوجه أن عينها مخيفة أيضا .. فبالتركيز فيها كانوا يكتشفون أن ماءها الأبيض يتموج كموجات البحر الهادرة .. تتدافع في مد وجزر لتصطدم بسور الكحل الصلب المحيط بها .. و ينجح بعض الماء في القفز من فوقه مغادرا عينها .. فتكون الدموع ، التي تسيل داكنةً بامتداد ثوبها الفضفاض . عينها تلك سر كبير غامض ، و كذلك وجودها ذاته .. و رغم أنها لم تكن جميلة ، فضلا عن أن جسدها كان ضئيلا و متيبسا مثل فرع شجرة عتيقة ، إلا أن نساء القرية كن يحسدنها في سرهن ، لجمال الكحل الذي يتوج عينها .. خاصة و أن الكحل لم يكن قد وجد بعد في البلدة .. و كان المكان الوحيد الذي يوجد فيه الكحل هو جبل المرأة ذات العين الوحيدة .. و التي لم تبخل على شخص في البلدة بنصحها أو عطاياها الكثيرة من أدوية و أطعمة سحرية و سوائل غريبة اللون و الطعم .. غير أنها رفضت بحسم كل الرجاءات بأن تعير أي امرأة و لو قدرا ضئيلا من الكحل الذي تضعه في عينيها .. و هو ما دفع النساء للتخمين أن قدراتها السحرية و حكمتها العميقة مصدرها جبل الكحل الذي لا ينفد أبدا على مر السنين رغم أنها لم تكن تضيف إليه .
لم يكن الناس يعرفون أن دموعها التي تسقط منها على الدوام تكون ممزوجة بالكحل ، و حين تجف تتحول إلى قطع صلبة ماتلبث أن تصير كحلا من جديد تعيد المرأة استخدامه .. و من جهتها لم ترد المرأة على أسئلة أحد فيما يخص ذلك الشأن ، لأنها ـ كأي امرأة حكيمة ـ كانت مقتنعة أن عذاب الإنسان يبدأ حين يسأل عمالايجب أن يعرفه . إنها امرأة معمرة ، رأت هذه البلدة منذ كانت مساحة من الخلاء يقطنها رعاة قليلون بقطعان غنم تبحث عن العشب .. و كبرت البلدة أمام عينها حتى صارت بها بيوت كثيرة يقطنها بشر مقيمون .
لا يعرف الناس عن تاريخها شيئا ، ولا يعلمون السبب في شكلها الغريب ، و لكن الجميع ممتنون لها على الدوام ، ليس فقط لأنها كانت تعيد السكينة للمعذبين .. و لكن لأن هذا الجبل حمى البلدة من الرياح القوية التي كانت تصطدم به لتعود أدراجها ، و اتي كان بإمكانها أن تدمر بيوت البلدة و تحولها في لحظة إلى عدم ..كما استخدمته المرأة في الغزوات التي تعرضت لها البلدة ، حيث كانت تملأ كفيها بحفنات من الكحل و تقذف بها في عيون الأعداء فتصيبهم بالعمى . تمر السنين .. لا المرأة تشيخ و لا جبل الكحل يتناقص .
بقدر إعجاب النساء بها ، إلا أن غيرتهم كانت تتضاعف يوما بعد يوم .. و ذات يوم قررن أن يذهبن جميعا لجبل الكحل و يغترفن منه .. و لأنها حكيمة ، فقد عرفت المرأة بمجرد أن شاهدتهن أنهن جئن في طلب غير عادي . قالت لهن قبل أن تنبس إحداهن ببنت شفة : " أنتن تردن هذا الكحل لعيونكن .. تعتقدن أن فيه سر خلودي و حكمتي ، و تنسين أنني لا أملك سواه .. ليس لي زوج مثلكن و لا بيت و لا أبناء .. و بالمقابل فشكلي غريب و جسدي ضئيل .. أتستكثرون علي الشيء الوحيد الذي أملكه ؟ ".
أطرقت النساء لثوان ، و لكنهن أفقن سريعا ، و قررن ألا يستمعن للمرأة وألا يفكرن في كلامها . بدأن يقتربن من جبل الكحل و تدافعت الأيادي لتأخذ كل امرأة ما تقوى عليه . هنا أكملت المرأة بابتسامة : " أستطيع أن أمنعكن ، و أن أوقف أياديكن ، و لكنني لن أفعل .. لأن الخسارة لن تكون من نصيبي " . عندما أكملت عبارتها كانت النساء قد أنهين تقسيم جبل الكحل ، و تفرقن بأجولتهن التي عبأن فيها المسحوق الداكن . اختفت من بعدها المرأة للأبد ، و صار وجودها ذكرى منذ ذلك الحين .و في اليوم التالي استيقظت كل امرأة وضعت الكحل في عينيها بعين واحدة بيضاء في منتصف وجهها ، بلا حدقات ، تسيل منها دموع حارقة على الدوام .. بينما تحول مكان جبل الكحل إلى عين ماء واسعة ، تسبح فيها ثلاث سمكات كبيرة . و لأن البحيرة كانت بلا سور يحتجز مياهها المندفعة .. فقد بدأ الماء يسيل في اندفاعات متلاحقة مجنونة ، متجها نحو البيوت ليُغرقها .
فشلت كل المحاولات في بناء أسوار حول العين الهادرة ، فقد كان اندفاع الماء دائماً أقوى من كل الحواجز .. قادراً على إذابة الطوب و الحجارة و الفولاذ و كل المواد الأخرى التي جربها الأهالي ليتفادوا الغرق . مع شروق كل شمس جديدة كانت المدينة تفقد بيتاً أو أكثر .. حتى جاء يوم قرر فيه الرجال أن يستخدموا ما تبقى من كحل في إحاطة الماء به .. و بالفعل نثروه حول عين الماء .. و كانت المفاجأة أن الماء كف من يومها عن مهاجمة البلدة .. و صار يصطدم بالسور الجديد المتين دون أن يقوى على تفتيته أو إذابته .. فيما عدا موجات قليلة بين الحين و الآخر ، كانت تتمكن من القفز فوقه .. و تتحرك في شوارع البلدة برفق .. لتذكر الناس بدموع امرأة قديمة ، و بجبلٍ داكن الزرقة تحول مكانه إلى ذكرى بعيدة
!