Saturday, December 27, 2008

دولة الرواية قامت في مطروح (:

عزة حسين ــ طه عبد المنعم ــ أنا
شوية تأمل (:

جانب من المائدة المستديرة


... و جانب من الجماهير الغفيرة في الدائرة المستديرة

أربعة أيام جميلة قضيتها في مطروح ، مشاركاً في مؤتمر السرد الجديد في مصر
أبحاث و مناقشات جادة .. و لقاءات بأصحاب يستحيل أن أراهم كلهم في مكان واحد
أما المائدة المستديرة .. بطلة المؤتمر و نجمة شباكه .. فلم أتخيل أن تأتي على هذا النحو .. جماهير غفيرة تحلقت حولنا .. عيون و كاميرات و شغف بالاستماع لنا .. كانت حاجة تخض ..و رغم تمرسي على مواجهة الناس و الانطلاق في الكلام ، لقيت نفسي فعلا مخضوض من الزحمة و كل العيون متوجهة ناحية نقطة واحدة .. كانت ليلة بجد عظيمة .. و ناس جت مخصوص من أماكن بعيدة لمتابعة المائدة و رجعت تاني .. مش ممكن !! بجد كان يوم استثنائي
مش عاوز اتكلم كتير .. و لا عارف .. يكفيني الشاب الصغير اللي جه مخصوص من المنيا لمطروح على حسابه علشان يقابلني و يديني شريطين كاسيت مسجل عليهم وقائع ندوة أقيمت في مركز شباب صغير لمناقشة هدوء القتلة .. و تكفيني البنت اللي جت من اسكندرية و معاها أربع نسخ من الرواية علشان أوقع عليهم ليها و لأصدقائها .. لكني سعيد لأن دولة الرواية ــ حسب تعبير عمنا العظيم خيري شلبي اللي المؤتمر شرف برئاسته له ــ قامت و ازدهرت الآن و عاد لها محبوها و اكتسبت محبين جدد من خلال الرواية الجديدة في مصر
مطروح .. ذكرى لن تنسى أبداً
((:



Sunday, December 07, 2008

مقال د. صلاح فضل عن ( هدوء القتلة ) في جريدة الأهرام .. اليوم

شيء جميل أن تستيقظ صباح أول أيام العيد على مقال نقدي مهم ، للدكتور صلاح فضل في جريدة الأهرام عن هدوء القتلة

كل التقدير للناقد الكبير على قراءته المتأنية و جهده في تأويل النص و تحليله

و هذا هو المقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طارق إمام في هدوء القتلة

يقول الكاتب المكسيكي الكبير كارلوس فوينيتس: "لا تكون الكتابة جيدة إذا اكتفت بأن تعكس الأشياء أو تقلد الحياة فحسب، لكن حين تتحدث حول ما لم يوجد بعد، أو ما هو موجود لكنه خفي أو ممنوع، عندئذ تصل إلى شيء أعظم أهمية"
وفي عالم اليوم الذي أصبح فيه قتل الجماعات عادة يومية في العراق وأفغانستان وفلسطين وبقية أنحاء العالم، باسم الحرية المزعومة حيناً، والدين المشوه أو الرفض الصريح حيناً آخر، يصبح تحول الإنسان العادي – بل الفنان المبدع – لقاتل محترف بدم بارد شعيرة يومية تستحق أن تفاجئنا بمعقوليتها الصادمة، وهذا ما يقوله لنا القصاص الشاب "طارق إمام" في روايته الجديدة "هدوء القتلة"، حيث يمارس الراوي ذاته القتل بمدية حادة باعتباره تتويجاً "سعيدا"ً لكل أنواع العلاقات التي تربطه بالأحياء، من حب وحيرة وشراكة أو صداقة، أو حتى مصادفة. لكنه لا يفعل ذلك بطريقة جنونية أو مجانية بل بقوم بتأصيل سلوكه وفلسفة موقفه، وكشف مواريثه العريقة في أصلاب الثقافة والمجتمع، مع الحرص على تحديد موقعه في مدينة القاهرة، وزمانه في العصر الراهن، وتجسيد تاريخه في مجلد عتيق يحتضنه دائماً في يقظته ومنامه، ينتسب الراوي إلى جده الذي "ظل يتوهم حروباً لم يخضها، ويحتاط لأشخاص لن يراهم أبداً، ووصلت ألفته بجدرانه حد أنه صار قادراً على تحريك الحوائط بمجرد النظر إليها، وهدمها تماماً في ليالي مشيه الأبدي أثناء نومه، وهو يحمل مجلده باحثاً في وجوه المدينة عن امرأة تصلح لأحلامه القادمة، ترك الرجل مخطوطه الدموي المقدس كما ترك نسلاً كثيراً في أرجاء المدينة، جميعهم قتلة متوحدون، غارقون في منامات خطرة مثله، لا يرون وجه الله سوى بعيون مغلقة، وقد عرفت دائماً – دون أن أحتاج لجهد كبير – أنني واحد من هؤلاء


ويمضي السرد رزيناً فصيحاً بهذا الأسلوب الذي يمزج بين الفقرات العجائبية والصور الشعرية الرمزية، لكي تتراءى من خلاله حيوات نابضة بحرارة الواقع. مثلاً "الصول جابر" برجله الخشبية المصقولة ومقامه الأليف بين المقابر يقدم حكايته للراوي الذي يعمل في تعداد السكان فيزعم أن رجله في الحرب علامة البطولة، لكن جاره الإسكافي "ليل" يكشف عن حقيقة الإصابة، حيث كل الصول لحقد دفين في قلبه اعتدى على شاب مسيحي واغتصبه، فانتهز الشاب فرصة التدريبات وصوب على ما بين فخذيه فأطار رجله انتقاماً لعرضه، مما يشف في كل حال عن قسوة الحياة في السلم والحرب وهيمنة العنف على مسارها ومصيرها معاً

الشعر والتصوف
الطريف أن هذا القتل اليومي يقوم به شاعر، يخضب دمه اليمنى بالدم، ويكتب باليسرى قصيدة جديدة، الأمر الذي يفتح للقارئ الصبور باباً عريضاً للتأويل، هل يكون هذا القتل فعلاً رمزياً كأنه استعارة مستحيلة لحالة مجازية تتراوح بين اليقظة والحلم، يقول مثلاً: "سأتجه إلى غرفة شحيحة الضوء في أحد البيوت، أقتل ضحية جديدة في سريرها، أترك سطراً جديداً من الشعر القاني على ملاءة السرير، على الحائط أو بامتداد الأرضية، سطرت في قصيدتي النهائية المكتوبة بامتداد صفحات المدينة المفتوحة أمامي ككتاب لم يكتب".
تجاوز الشعر والقتل، بمقدار ما يخرق سطح المعقول، يهدد استقرار دلالة كل منهما، فنحن قد نستطيع تقبل اقتران أية مهنة بالقتل، السياسة مثلاً، خاصة عندما نسمع عن مدرسة القتلة في أمريكا التي تستوعب شباب بعض الدول النامية وتدربهم على القتل لجعلهم مرتزقة في حروبها الاستعمارية، لكن الفن والشعر والموسيقى إما أن يجعل القتل رمزياً أو يتحول هو لرمز. والأدهى من ذلك أن هذا الشعر يمعن في روحانيته ليخترق أفق التصوف والعشق والطفولة في مشهد عجيب يخاطب في الراوي نفسه مستحضراً إحدى "كراماته" قائلاً: "تمتد إليك يد فتاة بسطل من اللبن، تقول لك: يا شيخي، تشبه فتاة في المدرسة قالت لك: يا مستر (يشير إلى حادثة سابقة) غلامية هذه البنت، الخيط السميك الأبيض يسيل من بين شفتيك.. وتحت الأحجار المتهدمة عند تخوم المكان، تدس مطواتك فيها لتكمل سكرتك، الدم المراق تتجرعه الأرض ذات الحصى الصغير المدبب الجارح.. تعيد الفتاة لملابسها السوداء التي لم ترتد تحتها طيلة أعوامها الثلاثة عشر سوى جسدها، كفن داكن معروق لائم هامة لم تتعر سوى لك، سيعثرون عليها بعد كل شيء، لن يلحظوا في باديء الأمر سطور الدم الداكن المقفى على عباءتها المظلمة، لكنني اطمأننت، لأن على الأرض بجوار جسدها علامة: ودعت قبل الهوى روحي لما نظرت / لا خير في الحب إن أبقى على المهج".
هكذا نجد الشعر الصوفي علامة الحدث لنستغرق في التأويل، لكن ما بين الأحداث اللامعقولة، والنهايات المسنونة، لطعنات نافذة، في صور رجال ونساء، وصبايا وولدان، في مشاهد كابوسية، يظللها الهدوء، وتحفها نفثات الشعر وتأملات الناسك السفاح، تظل المشاهد
حبات متجاورة لا ينظمها سوى ضمير السارد، دون أن تقوى على تشييد معمار روائي متعدد الطبقات، تكتشف دلالاته عند كل قراءة. مما يجعل هذه التقنية وإن نجحت في تعرية عنف العصر وتحويله إلى استعارة شعرية، لا تزيدنا علماً بقوانينه الخفية، ولا تفتح لنا كوة ضوء ننفذ منها إلى المستقبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. صلاح فضل

الأهرام ــ الإثنين 8 ديسمبر 2008

Monday, December 01, 2008

! ماركيز .. سحر السطو


منذ أيام، صدرت ترجمة ثالثة لآخر روايات "جابرييل جارثيا ماركيز" (ذاكرة عاهراتي الحزينات).. على يد الدكتور "أحمد يونس"؛ لتضاف إلى الترجمتين السابقتين اللتين أنجزهما صالح علماني وطلعت شاهين.. ولست هنا بصدد التعرض لمقارنة بين الترجمات الثلاث -التي قرأتها- وإن وجدت من الضروري الإشارة إلى أن أقلها هي ترجمة شاهين.. التي عدل فيها في النص بالحذف والتهذيب كثيراً وفق رؤية أخلاقية لا تصلح للتعامل مع الأدب، بدءا من اختصاره عنوانها الساحر إلى "ذكريات" وهو عنوان يصلح لكتاب سيرة ذاتية بدائية وليس لرواية.. حتى صارت أشبه بملخص مدرسي لرواية ممتعة.. ولا أعرف لماذا يقدم شخص لديه هذه النظرة على ترجمة عمل محوره الأساسي هو الجنس وبطله الجسد!.. كان يمكنه تجنبه ببساطة، احتراماً لماركيز وقرائه، ولنفسه بالأساس!


ما أريد التطرق له هنا هو رواية ماركيز الأخيرة نفسها.. والتي جددت نفسها في ذاكرتي ثلاث مرات بثلاث ترجمات مختلفة.. دون أن يتطرق أحد مترجميها بشكل حقيقي لإشكالية جوهرية في الرواية، اعترف بها ماركيز نفسه، وهي أن الرواية اقتباس حقيقي لرواية "منزل الجميلات النائمات" للياباني ياسوناري كاواباتا، الذي سبق ماركيز إلى نوبل بسنوات كثيرة. اعترف ماركيز مراراً بأن "منزل الجميلات النائمات" هي الرواية التي تمنى أن يكتبها.. وظل مشغولاً بهذا "الطمع" الإبداعي إلى أن قرر أخيراً أن يكتب نسخته الخاصة منها!. قبلها بسنوات، عزف ماركيز على وتر نفس الرواية بقصة هي "طائرة الجميلة النائمة" ضمتها مجموعته "اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة" والتي ترجمها د. سليمان العطار بعنوان "12 حكاية عجيبة".


واقعة ماركيز غريبة، تطرح تساؤلاً مهماً: ما الذي يجعلك غير قانع بقراءة رواية ما.. لتقرر أن تكتبها أنت؟ لتصير نصك؟.. ولاحظ أن المفتون هنا هو ماركيز بالذات، صاحب عشرات الروائع، والذي يعد منجزه السردي وما أحدثه من تحول أقوى وأعمق أثراً بكثير من كاواباتا.. الغريب أن ماركيز له واقعة أخرى، مع الكاتب ألفارو موتيس.. الذي كان يهم بكتابة رواية عن "سيمون بوليفار" المناضل اللاتيني الشهير، ومؤسس دولة "بوليفيا" التي اتخذت اسمها من اسمه. قرأ ماركيز ما كتبه "موتيس".. وفتنته الفكرة.. وبمجرد أن توقف موتيس عن مشروعه -كما يحدث لأدباء كثيرين مع مشاريع لا تكتمل- اغتنم ماركيز الفرصة ولم يضع دقيقة واحدة، وكتب الرواية، التي منحها اسم "الجنرال في متاهته" وأهداها إلى موتيس نفسه!. تلك الواقعة اعترف بها ماركيز أيضاً.. ببساطة، وبروحه الفكاهية المرحة.
السؤال هنا: هل تجاوز ماركيز حدوده ككاتب عندما أعاد كتابة رواية شهيرة بطريقته.. وعندما كتب رواية أخرى كانت فكرتها ملك لروائي آخر؟.. أم أنه تعامل بمنطق أن الأفكار على قارعة الطريق، حتى لو كان هذا الطريق يخص أوراق أشخاص بعينهم؟ هناك من يقول إن طريقة بناء العمل هي العمل وليس فكرته، وهو كلام صحيح إلى أبعد حد.. ولكني أعتقد أن الإجابة عند ماركيز نفسه أبسط من تعقيدات التنظير تلك. ماركيز تعامل كطفل وحسب: أريد هذه وتلك.. إذن هذه وتلك لي، ملكي! محاذير ما فعله ماركيز ككاتب كبير وشهير أقوى، لو حسبها بالعقل والمنطق.. كان يمكن أن يخشى مقارنة روايته "الصورة" برواية كاواباتا "الأصل".. ودائما الأصل يربح، حتى لو لم يكن الأفضل.. وهو بالمناسبة ما حدث مع رواية ماركيز الأخيرة بالفعل. كان يمكن أن يخاف ماركيز كتابة نص صاحب فكرته أقل شهرة منه بكثير.. بكل مخاطر ذلك.. وبسمعته التي عرضها للخطر من أجل رواية لن تكون بحال من الأحوال أعظم من "مائة عام من العزلة" أو "الحب في زمن الكوليرا" أو "خريف البطريرك" وغيرها كثير من روائع الكولومبي الساحر.. غاية ما فعله ماركيز أقل بكثير من الوسيلة المحاطة بعلامات استفهام كثيرة.. خاصة وأنه كتب الروايتين بعد حصوله على نوبل بسنوات طويلة وبعد أن "شبع" كتابة وشهرة.


أعتقد أن ماركيز -المحترف، وأحد أشهر الحاصلين على نوبل في تاريخها- لم يقتل بداخله بعد روح الهاوي.. يعود لها أحياناً، مضحياً بكل شيء في سبيل متعة طفولية، يمارس فيها السطو بطريقته، معترفاً بضعفه أمام أفكار بعينها لا يستطيع من كتابتها فكاكاً.. حتى لو لم تكن من بنات أفكاره السعيدات!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال الأول ضمن سلسلة مقالات جديدة تنشرتباعاً في موقع بص و طل