Monday, December 01, 2008

! ماركيز .. سحر السطو


منذ أيام، صدرت ترجمة ثالثة لآخر روايات "جابرييل جارثيا ماركيز" (ذاكرة عاهراتي الحزينات).. على يد الدكتور "أحمد يونس"؛ لتضاف إلى الترجمتين السابقتين اللتين أنجزهما صالح علماني وطلعت شاهين.. ولست هنا بصدد التعرض لمقارنة بين الترجمات الثلاث -التي قرأتها- وإن وجدت من الضروري الإشارة إلى أن أقلها هي ترجمة شاهين.. التي عدل فيها في النص بالحذف والتهذيب كثيراً وفق رؤية أخلاقية لا تصلح للتعامل مع الأدب، بدءا من اختصاره عنوانها الساحر إلى "ذكريات" وهو عنوان يصلح لكتاب سيرة ذاتية بدائية وليس لرواية.. حتى صارت أشبه بملخص مدرسي لرواية ممتعة.. ولا أعرف لماذا يقدم شخص لديه هذه النظرة على ترجمة عمل محوره الأساسي هو الجنس وبطله الجسد!.. كان يمكنه تجنبه ببساطة، احتراماً لماركيز وقرائه، ولنفسه بالأساس!


ما أريد التطرق له هنا هو رواية ماركيز الأخيرة نفسها.. والتي جددت نفسها في ذاكرتي ثلاث مرات بثلاث ترجمات مختلفة.. دون أن يتطرق أحد مترجميها بشكل حقيقي لإشكالية جوهرية في الرواية، اعترف بها ماركيز نفسه، وهي أن الرواية اقتباس حقيقي لرواية "منزل الجميلات النائمات" للياباني ياسوناري كاواباتا، الذي سبق ماركيز إلى نوبل بسنوات كثيرة. اعترف ماركيز مراراً بأن "منزل الجميلات النائمات" هي الرواية التي تمنى أن يكتبها.. وظل مشغولاً بهذا "الطمع" الإبداعي إلى أن قرر أخيراً أن يكتب نسخته الخاصة منها!. قبلها بسنوات، عزف ماركيز على وتر نفس الرواية بقصة هي "طائرة الجميلة النائمة" ضمتها مجموعته "اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة" والتي ترجمها د. سليمان العطار بعنوان "12 حكاية عجيبة".


واقعة ماركيز غريبة، تطرح تساؤلاً مهماً: ما الذي يجعلك غير قانع بقراءة رواية ما.. لتقرر أن تكتبها أنت؟ لتصير نصك؟.. ولاحظ أن المفتون هنا هو ماركيز بالذات، صاحب عشرات الروائع، والذي يعد منجزه السردي وما أحدثه من تحول أقوى وأعمق أثراً بكثير من كاواباتا.. الغريب أن ماركيز له واقعة أخرى، مع الكاتب ألفارو موتيس.. الذي كان يهم بكتابة رواية عن "سيمون بوليفار" المناضل اللاتيني الشهير، ومؤسس دولة "بوليفيا" التي اتخذت اسمها من اسمه. قرأ ماركيز ما كتبه "موتيس".. وفتنته الفكرة.. وبمجرد أن توقف موتيس عن مشروعه -كما يحدث لأدباء كثيرين مع مشاريع لا تكتمل- اغتنم ماركيز الفرصة ولم يضع دقيقة واحدة، وكتب الرواية، التي منحها اسم "الجنرال في متاهته" وأهداها إلى موتيس نفسه!. تلك الواقعة اعترف بها ماركيز أيضاً.. ببساطة، وبروحه الفكاهية المرحة.
السؤال هنا: هل تجاوز ماركيز حدوده ككاتب عندما أعاد كتابة رواية شهيرة بطريقته.. وعندما كتب رواية أخرى كانت فكرتها ملك لروائي آخر؟.. أم أنه تعامل بمنطق أن الأفكار على قارعة الطريق، حتى لو كان هذا الطريق يخص أوراق أشخاص بعينهم؟ هناك من يقول إن طريقة بناء العمل هي العمل وليس فكرته، وهو كلام صحيح إلى أبعد حد.. ولكني أعتقد أن الإجابة عند ماركيز نفسه أبسط من تعقيدات التنظير تلك. ماركيز تعامل كطفل وحسب: أريد هذه وتلك.. إذن هذه وتلك لي، ملكي! محاذير ما فعله ماركيز ككاتب كبير وشهير أقوى، لو حسبها بالعقل والمنطق.. كان يمكن أن يخشى مقارنة روايته "الصورة" برواية كاواباتا "الأصل".. ودائما الأصل يربح، حتى لو لم يكن الأفضل.. وهو بالمناسبة ما حدث مع رواية ماركيز الأخيرة بالفعل. كان يمكن أن يخاف ماركيز كتابة نص صاحب فكرته أقل شهرة منه بكثير.. بكل مخاطر ذلك.. وبسمعته التي عرضها للخطر من أجل رواية لن تكون بحال من الأحوال أعظم من "مائة عام من العزلة" أو "الحب في زمن الكوليرا" أو "خريف البطريرك" وغيرها كثير من روائع الكولومبي الساحر.. غاية ما فعله ماركيز أقل بكثير من الوسيلة المحاطة بعلامات استفهام كثيرة.. خاصة وأنه كتب الروايتين بعد حصوله على نوبل بسنوات طويلة وبعد أن "شبع" كتابة وشهرة.


أعتقد أن ماركيز -المحترف، وأحد أشهر الحاصلين على نوبل في تاريخها- لم يقتل بداخله بعد روح الهاوي.. يعود لها أحياناً، مضحياً بكل شيء في سبيل متعة طفولية، يمارس فيها السطو بطريقته، معترفاً بضعفه أمام أفكار بعينها لا يستطيع من كتابتها فكاكاً.. حتى لو لم تكن من بنات أفكاره السعيدات!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال الأول ضمن سلسلة مقالات جديدة تنشرتباعاً في موقع بص و طل

11 comments:

fawest said...

أعتقد يا طارق
أنك أجدر الناس الان لطرق هذة المسئلة
لأنك قرأت مركيز كلة وتعرفت على كل عوالمه وليس فقط تتطرق الى الواقعية السحرية حينما يتحدثوا عن ماركيز فقط

هذة نقطة بالغه الأهمية ليس فقط لأن النقاد والباحثين يتناولوا تلك المسائل بسطحية ناهيك عن تناولها أصلا

بل لأن ماركيز لدية نقاط أستفهام كثيره نحتاج أن نناقشها

مثلا
نبأ أختطاف
تجاسر ماركيز ببساطه مدهشه أن يذكر فى مقدمه الكتاب أنها عمل صحفى بحت وهو أنتاج كذا وكذا وكذا

مع أنه يعرف تمام المعرفه أن الكتاب سيقع فى أيد قارئ لا يعرف أسكوبار ولا تجاره المخدرات والاختطاف فى كلومبيا
وسيظل بالنسبه لى -كقارئ مثل هذا-أعتقد فى أثاره وبراعه ماركيز فى الحبكات والادهاش
أين الحقيقة والخيال هنا
هل الخيال فى ذهن القارئ والواقع فى ذهن المؤلف أم ما يتخيله المؤلف هو واقع فى ذهن القارئ

هذة أحدى النقاط المقلقه التى يثيرها العمل، أيضا ما هى مساحه التجريب التى يتيحها العمل الادبى

يبدوا أنى سأطيل فى تعليقى
لذا سأكتب تعليقى فى بلوجى
وهو غير منفصل عن تفكيرى عن ماركيز
وأنت تعرف أنى مثلك من عشاقه
وقد كتبت عنه تدوينه صغيره
http://fawest.blogspot.com/2008/11/blog-post_03.html

Anonymous said...

فكرتني بالكلمة الشهيرة هذة الفاتحة فاين يد عمر!!البني ادم العادي ممكن يقول صباح الخير بمليون طريقة مع ذلك فانا اعرف لماذا اقدم ماركيز علي هذه الفعلة هو مكلمنيش فيها لكن انا بخمن لان اعمال الروائي تشبه روحه
تقدر تقول انهم كانوا معا في حياة
قبل هذه الحياة..

كلام وخلاص said...

بما ان طريقة بناء العمل هى العمل وليس فكرته وبما ان الترجمة بتتضمن بشكل كبير طريقة المترجم ذاته فهل حيكون فهمنا لادب ماركيز اوضح لو قريناه بلغته الام ؟
وصل لنا من بين السطور طمع مشابه
لطارق امام نفسه بس ياترى فى اى فكرة؟
او بمعنى تانى ايه الرواية اللى طارق امام يتمنى كتابتها؟
من منطلق قارئة غاوية انا مش باحب احرم نفسى من تجزئة متعة القراية بين
الاستمتاع بالفكرة والبناء والعمق كل جزء لوحده
المقال فكرنى برباعية جاهين

انا اللى بالامر المحال اغتوى
شفت القمر نطيت لفوق فى الهوا
طلته ما طلتوش ايه انا يهمنى
وليه مادام بالنشوة قلبى ارتوى

منهجية جاهين دى سارية على الكتاب
والقراء

باسم شرف said...

طرووووووووووق
قشطات يا معلم .. طيب ويعتبوا ليه علي السينارستات بتوعنا لما يسرقوا افلام من بره ليه ؟ يا اخي دي ناس
ههههههههههه
موضوع طريف وشيق جدا
صباحك قشطة

Ahmad Abdulatif said...

كتبت تعليقي في بص وطل !!!
ابقي بص وطل عليه انت بقي !

مطلوب من شخصك الكريم التواضع علشان تبص وتطل علي مدونتي
فيها حاجة تخصك برضو!
والسلام ختام

طارق إمام said...

طه
مداخلة جميلة كعادتك يا صديقي
و تدوينتك جميلة برضه
أشكرك بجد
.............................
المجهول
شكرا
.............................
كملام و خلاص
مداخلة محترمة بجد
خليتيني أسأل نفسي معاكي

طارق إمام said...

بسووووووووووم
هههههههه
ظلم يا معلم و حياتك
ربنا يخليك يا حبيبي
............................
أحمد عبد اللطيف
بصيت و طليت على تعليقك الرائع
و بصيت و طليت على مفجأتك الجميلة في المدونة
متشكر جدا جدا يابوحميد يا رائع

سابرينا said...

أنا لحد دلوقتي مش قادرة أكمل مائة عام من العزلة لسة في الفصل الاول.مش قادرة أكملها !حاسه انها مملة
___________________
لم أعرف الي الان ماركيز بشكل جيد كما عرفت باولو كايلهيو(هذا الذي روحه تشبهنا بالرغم من بلوغه أواخر العمر)
ولكن فعلا غريبه كتبته لما يكتبة الاخرين كأنه حسد محمود!

fawest said...

للأسف يا سابرينا
بابلو كويلهو
أفسد ذوقك

سابرينا said...

طه
ميرسي علي ذوقك
____________________________
فيه ناس كتيرة لم يسمعوا حتي بماركيز
ولم يتنقص ذلك من ذوقهم العالي شيئا

Anonymous said...

After reading the information, I may have different views, but I do think this is good BLOG!