Tuesday, November 18, 2008

سرد ـــــــــــــ 1


تشترك الرواية مع السينما في شيء آخر غير أن كلاهما يسردان حياة ممتدة في مدي محدود نسبيا ــ على مستوى عدد الصفحات في الرواية و زمن العرض في الفيلم السينمائي .الرواية و الفيلم السينمائي يتمتعان بصفة " الاتصال " كفني تشخيص بالأساس ، و تمثل لهما التقنيات و دهاليز الصنعة ضرورات لابد منها للتحقق : المعمار ، البناء الكلي ، كيفية تحريك العالم ، الانتقال بين الشخوص ، مستويات اللغة و انتقالات الزمن، لغة الشخوص و سماتهم ، الانتقال بين تاريخ الشخصية و حاضرها ، تحريك الحدث أو الأحداث للأمام و الخلف ، حجم كل مشهد و لقطة ، مداه . كلاهماــ الرواية و السينما ــ ابن الصنعة بامتياز .. لا مكان هنا لمنطق الدفقة ، أو الارتجال المطلق ، أو المزاجية المرسلة.. الإلهام يتحقق داخل الإطار النظامي الأشمل ..و البنية المجردة لابد من مثولها تحت غطاء التجسيد الذي يوهمك بعدم وجودها .و سؤال كليهما الأساسي : كيف لا تخون نفسك كصانع ، كبنَّاء ، و لا تحرم نفسك من التجريب مع الاحتفاظ بمساحة تواصل لا تجعل نصك غائبا في التغريب ؟ . أنت بين حدين ، يمكنك أن تميل لأحدهما إن أردت و لن تعدم مكاسب من كل خيار : التواصل السهل على إطلاقه مع إدارة ظهرك للثقل الفني و الجمالي الضروريين و إهمال مقتضيات الخطاب ..لتكسب " الزباين " و فرشة بائعي الجرائد .. أو الاتكاء على كل ذلك و مخاصمة فكرة القاريء / المشاهد البريء الباحث عن قدر من المتعة و التسلية ، و هو حقه في النهاية ، و الطامح لتواصل حقيقي.

تاريخ الرواية ــ كتاريخ السينما ــ انحاز بوضوح لقليلين استطاعوا أن يجمعوا بين حسنيين .الشعرة بين " التوفيق " و " التلفيق " واهية جداً ..التوفيق تنتجه معرفة عميقة ، قراءة واعية ، معرفة حقيقية .. التلفيق " حتة من هنا و حتة من هناك علشان كل الناس تتبسط " . التوفيق يصنع نجيب محفوظ و جابرييل جارثيا ماركيز و خوزيه ساراماجو ،و مارتن سكورسيزي و كوبولا .. أما التلفيق فيصنع طوابير طويلة من مدعين بلا أسماء .

أعتقد أن أحد أسئلتي كروائي ــ و التي أشتغل عليها بدأب منذ سنوات ــ هو كيف أطرح نصي الخاص جداً على العالم . أنا أقصد كل حرف في هذه العبارة .. شيء صعب بالتأكيد أن تكون أنت و أن تظل قادراً على الوصول لآخرين .. أنا و الآخر معاً .. و ليس أنا أو الآخر . هذا سؤال روائي بامتياز ، قد لا يكون على نفس درجة الخطورة مع القصيدة أو القصة القصيرة أو اللوحة التشكيلية . الرواية هي صوتك المتعالق مع مجموع .. بل هي صوتك الذي يتحول في النص إلى مجرد صوت واحد لشخصية أمام أصوات أخرى .. أنت لست روايتك .. ففيها شخصيات تختلف عنك و تطرح صراعاتها بعيداً عن يقينياتك .. لكنك في القصيدة و القصة و اللوحة و قطعة الموسيقى أنت فقط .. الصوت صوتك .

أنت في الرواية تملك سلطة إدارة العالم .. حسناً .. و لكنك في أشكال التعبير الأخرى تملك سلطة أن تكون أنت العالم .ربما لذلك تتحقق نرجسية الروائي من معمار عالمه .. مثلما يتحقق أب بتحقق أبنائه رغم أنهم ــ عملياً ــ ليسوا هو ..بينما تتحقق نرجسية الشاعر من كونه الخاص . الشاعر يحيل العالم إلى ذات .. الروائي يحيل الذات إلى عالم . هذه ليست مقارنة .. فلكل خطاب خصوصيته و ضرورة وجوده ليكتمل مشهد الوجود الواسع ..و لكن الرواية لا تملك الكثير من الترف ــ عكس ما يعتقد الكثيرون ــ و بعض من التفتوا للترف تحققوا ، لكن أحداً الآن لا يبدو معنياً كثيراً بعظمة جيمس جويس و فرجينيا وولف مثلاً .. ليس سوى الأكاديميين و ساردي تحولات الرواية . نعم .. صنع البعض تحولات على هذا النحو و لكنهم خسروا الاستمرارية الحقيقية التي حققها آخرون

في مصرنا الحبيبة نطرح دائمامفارقة وهمية مفادها أنك إما أن تكون جاداً بلا قاريء أو هلاساً بلا اعتراف نقدي من السلطة الأدبية . في الغرب تجد رواية واحدة ثقيلة فنياً و " مكسرة الدنيا " جماهيرياً و تحصل على أرقى الجوائز .. و الكلام نفسه بالطبع ينطبق على السينما هنا و هناك . لماذا هذا الفصل المصطنع ؟؟ لماذا هذه الحدية القاسية ؟ لماذا يخشى الناقد عندنا الاقتراب من رواية ناجحة جماهيرياً .. لأنها أكيد " خفيفة " .. و لماذا يهاب القاريء شراء رواية كتب عنها النقاد ؟؟ ..عندنا في حاجة اسمها أفلام مهرجانات و حاجة تانية اسمها أفلام سوق .. و في الرواية هناك رواية قراء و رواية نقاد ..و المحصلة واقع عانى طويلاً من الركود ، و لم يشهد أي حراك إلا عندما بدأ جيل مختلف ــ من الكتاب و القراء على حد سواء ــ يتواصل .. متخذا من فضاءات التواصل الجديدة ، الافتراضية ، طريقة جديدة بعيداً عن قاعات الندوات الضيقة المهجورة و معارك النخبة في الغرف الموصدة .

6 comments:

كلام وخلاص said...

استاذ والله

Mohamed Kamal Hassan said...

ينصر دينك يا عم طارق
هابقى أدخل أعلق على السرد لما يكمل
لأنه واضح من العنوان إنه كذا جزء
وعايز أقولك إنى مانع نفسى بالعافية من التعليق
((:
بالتوفيق
وكمل بسرعه بقى

شادي أصلان said...

عمي واخويا الكبير

تسلم كل كلمة من كلامك

الكلام دا فعلا مهم اوي وهادف لأقصي درجة

طارق إمام said...

كلام وخلاص
(:
أشكرك
.............................
محمد كمال حسن
كموولة
ازيك
مستني رأيك المهم لما أكمل

طارق إمام said...

الحبيب شادي أصلان
تسلم
و الأهم من كلامي اننا كلنا نفتح كلام حقيقي حول ما نفعل
علشان مانقفش
أو نكرر نفسنا

Anonymous said...

Good Blog, I think I want to find me, I will tell my other friends, on all