أعتقد أن مصر هي البلد الوحيدة في العالم التي يباهي فيها الروائي بأنه " ما بيعرفش يتكلم عن شغله " .. و التي ينصح فيها النقاد الروائيين ب " ألا يقرأوا نقداً كي لايفسدهم " ..و هي البلد الوحيدة التي كلما قلت فيها " ما تسألنيش عن نصي " كنت من المبدعين النابهين المُلهَمين . مصر هي البلد الوحيدة التي يمكنك فيها أن تجد أديبا يقول للآخر " انت هتنظر ؟؟ " و كأنها سبة ، رغم أن الأديب في العالم كله شخص يحمل معرفة ، و وعيا نقديا ، و يملك قدرة على التنظير لما يكتب و لما يكتبه الآخرون .. هذا ــ للأسف فارق حضاري و ثقافي من ضمن فروق كثيرة تجعل الروائي في أمريكا و أوروبا و أمريكا اللاتينية فيلسوفاً جديداً و تجعله عندنا مجرد شخص قرأ كام كتاب على كام رواية و راح الأتيليه و عرف سكة ناشر وبقى روائي .
أصحاب النظريات الكبرى في العالم مبدعون و ليسوا أكاديميين .. عندك ت . س . اليوت و فرجينياوولف و هنري جيمس و د. اتش . لورانس و القائمة طويلة . أصحاب التحولات النقدية الكبرى في تاريخ الأدب كلهم مبدعون في الأنواع التي نظروا لها .. لأن الأقدر على " تجريد " شكل فني و سبر قوانينه هو بالضرورة واحد من صناع هذا الشكل ، الأكاديميون في الغرب لم يصنعوا التوجهات النقدية و لم يؤسسوا للمدارس الجمالية و لم ينظروا للتيارات ، بل المبدعين أنفسهم فعلوا ذلك .. أما عندنا .. فالكاتب ــ بالضرورة ــ واحد مغمى عليه ، ما يعرفش حاجة غير انه بيكتب : " أنا بكتب و بس " .. متشكرين يا عم الحاج .. " أنا شغلتي أحكي عن ناس شبهي " .. ربنا يكرمك و يخليهوملك .. " أنا مافهمش في النقد والكلام ده " .. كتر ألف خيرك .. و يجيء دور الناقد ، حامل الخيزرانة متجهم الوجه منتفخ العينين من قلة النوم بسبب طول اليوم الدراسي في الجامعة و كثرة الأعمال التي يقرأها ليل نهار .. يتأبطك ، و يسدي إليك نصائحه و انت طبعا لازم تسمع و تفهم لإنك " مبدع " : مساحة بيضاء هفهافة رقراقة .. أنت الشك ــ يا عيني ع الشك ــ و هو اليقين ــ الله عليك يا ناقدنا ــ هو يعرف ماذا كنت تقصد ، و يطلعك على الطريقة التي بنيت بها عملك ، و يحلل لك دواخلك و أنت تنصت ، مكتشفاً بدهشة و براءة مالم يخطر على بال أهلك من أفكار ..
نحتاج ــ كروائيين ــ امتلاك قدرة على قراءة النقد ، و الوعي به ، نحتاج قدراً من المعرفة بما نفعل و نكتب ، نحتاج قدراً من الحرفة ، اللي هي الصنعة .. التي نكرهها مش عارف ليه .. تلاقي واحد يقولك " أنا مش صنايعي " .. إذا كان جابرييل جارسيا ماركيز قال انه صنايعي ، و ان الكتابة زي النجارة .. و الأدب صنعة و نص .. أمال الأدب ايه ؟ ايه الفرق بين رواية مكتوبة و حكاية بيحكيها واحد في الشارع ؟
الروائي في مصر تنقصه القدرة على أن يكون ملماً بمشروعه ، و قادراً على التأصيل لتجربته ، و أن ينسى ــ للأبد ــ مقولة :أنا بكتب و بس
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
8 comments:
العظيم في كلامك انك جوه الدايرة و براها في الوقت نفسه؛ شايفها من جوه و من بره؛و شكلنا هنكسب ناقد جديد بنفس درجة اجادة الراوي الاسبق و لعله يكون يوما ما فيلسوفا جديدا..
بالمناسبة "أنا شغلتي أحكي عن ناس شبهي " .. ربنا يكرمك و يخليهوملك
ضحكتني اوي لاني سمعتها كتييير.
الي الامام و كل التوفيق في " اسئلة السرد الجديد" ..
عندى كلام كتير حول هذا الموضوع
سأكتبه طبعا
لكن دلوقت بادعوك تدخل على مدونتى
فأنت ضيف عليها طوال شهر نوفمبر
صورتك منوره فيها
وموضوعك هذا كمان
سأجعله محورا للنقاش طوال الشهر وأكتب عنه
سيد الوكيل
طارق أتفق معك كل الاتفاق فيما ذهبت إليه
لأننا ابتلينا بأجيال تمتح من فراغ وتكتب لا أعرف من أين وهي لم تقرأ حتى اساسيات السرد
فما بالك من التنظير له
:)
محبتي يا ابن عم سيد إمام
طب ما تفرض يا استاذ ان الكاتب خايف ان تضيع اناه داخل انوات الاخرين فمبيتكلمش عن شغله ولا بلاش اكليشيهات امانة السياسات دي
طب خلينا في حكاية ان المتلقي ممكن يشوف وجهة تانية غير اللي الكاتب قصده عليها ودا الي بيسموه سمو الفن
الغريب ان انا ببقي نفسي الكاتب يتكلم عن شخصيات الرواية فيجيني الصوت كالقدر -دي رواية مش كتاب- ودااا مشششش رايييي دا راييي الشخصصصصصية-معلش اصل الشريط سف من كتر ما اتعاد- يعني انا اروح لمين اسالة يا تري سعيد مهران طلع من السجن بكل كم العنف دا متشوق لبنته بكل حنان مع انها حاجة مش منطقية ولا ياتري ليه البطل سافر المانيا وبعدين قفز لليابان بناء علي ايه ولا ايه سر الحوار الفلسفي للشخصيات علي القهوة وفي الشارع بداع وبدون فضلا عن الشخصية المشحونة دائما والمنفعلة علي حافة الانهيار كانها علي نهاية العالم طبعا دايما الحالة كفكاوية وكارثية
فقررت افوض امري الي الله واسيب الكاتب يكتب ومسالوش حتي يعني لو كان ======يكتب وكانه يتذكر======
دا كان التحليل المنوفي للموضوع
انا معك تماما
شكرا لهذا المقال الجميل المعبر القائل كل ما يمكن قوله
متفق معك
لكن أولا و أخيرا يجب الوضع فى الاعتبار ان الناقد ما هو الا شخص واحد فقط
رأيه هو رأى انسان واحد مهما بلغ شأنه
ذكرتنى بفيلم قصير بعنوان "هوس العمق" لا أذكر اسم مخرجه لكنه عرض فى الاوبرا فى عروض مهرجان القاهرة السينمائى
عن قصة باتريك زوسكند
الفيلم عن فنانة شابة تقيم معرض يعجب الناس , حتى يتهمها كبير النقاد بان لوحاتها تفتقد للعمق , فى اليوم التالى يجمع الجميع أنها تفتقر للعمق سيرا وراء رأيه , مما يؤدى لتدمير حياتها تماما
لدرجة أنها عندما تصطحب شابا معها الى شقتها لتقيم علاقة معه تقول له : عاوزة أعترفلك بحاجة .. أنا معنديش عمق !
فيلم ساخر و بليغ قائم على نفس الفكرة
بطولة "يسرا اللوزى" و لوحات "مى رفقى"
أحييك يا عزيزى طارق على مدونتك المميزة
و اسف على الاطالة
تحياتى
هوس العمق..اخراج اسامة العبد
و اخد الجايزة الكبري في المهرجان القومي 2008
It seems my language skills need to be strengthened, because I totally can not read your information, but I think this is a good BLOG
Post a Comment