Wednesday, September 19, 2007

ترابُ الأمس


1
الحياة امتحانٌ صعب ،لا تتقدم خطوة فيه إلا لتتذكر خطوةً مضت . صارت التسعينياتُ ماضٍ . المراهقون تزوجوا و صاروا آباء . يحملون الآن أطفالاٍ على أكتافهم ، و يشترون لعباً بلاستيكية بدلا من الكتب
يمضون إلى العقد الرابع بابتسامات متسامحة . كل الأجيال تفعل ذلك : ينتهي صراخُها بذراعين مرخيين و تسليم بأن الحياة دائماً أقوى
2
مرت السنينُ فجأة
صارت أمي أكثر بدانةً و خفة
اقترب بيتنا من الأرض أكثر ، حتى أننا لم نعد نحتاج الدرجات القليلة لنصل إلى الباب
أبي يقرأ .. و يكتب .. و يدخن .. و يبتسم . مرت عليه الحياةُ في لحظة ، كأنه وُلِد _ فقط _ ليتذكرها
أكره المدن الصغيرة .. الجميع فيها يتقنون التلصص .
لن أنسى أبدا جارتي التي تحولت لكاتمة أسرار مأجورة . حَصَلَت على مهنة آمنة لم تكن لتتحقق لها في مكان آخر
أول أجر منحته لها كان مقابل ألا تخبر أبي أنني أدخن
آخر أجر : كي تخفي عن زوجها تفاصيل خيانتها له ، معي
3
الأولاد في ملابس الصيف . أنا أرتدي ملابس أثقل ، كي أداري نحافتي
في مراهقتي كانت تحبني المطلقات و الأرامل . فَوَّتُ فرصا كثيرة لاختبار جسدي مع شائخات . الفرص القليلة التي جازفت بقبولها لم أعد أذكر منها سوى ارتعاشاتٍ باهتة
عندما كبرت قليلا ، أدركتُ أنني عذبت كثيراتٍ دون سبب . كنت أخشى أن تتسلل تجاعيدهن إلى وجهي كثمنٍ للذة
رغم ذلك .. شختُ وحدي
.....................................
مقاطع من نص طويل بنفس العنوان

18 comments:

Anonymous said...

مقطوعة أدبية هايلة

rosealia29 said...

(1)
" ينتهي صراخُها بذراعين مرخيين و تسليم بأن الحياة دائماً أقوى "
الجملة دي موجعة جداً .. أصابتي إصابة مباشرة ..
و شعرتها ( تكة ) كل دوائر البشر المفتوحة مهما طال وقتها و مهما قصر ..

(2)
" أكره المدن الصغيرة .. الجميع فيها يتقنون التلصص ”
شعرتها بقوة حين انتقلت بالفعل إلى مدينة صغيرة ..
و رأيت فيها أن كل العيون آذان .. و كل الآيادي آذان .. و كل الآذان آذان ..
و كيف الخطوات و الأنفاس و اللمحات و الألوان مدروسة و محفوظة ..
و أسهل طريقة لتذكر حادثة في الماضي .. هو سؤال الجارة قاطنة بلكونة أول الشارع ..

(3 )
" رغم ذلك .. شختُ وحدي "
و رغم أني لم أكن أهوى المجازفات ..
إلا أني أيضاً شخت وحدي ..

ألف شكر طارق ..

رأيت في كلماتك المرآيا التي تعكس فيها وجهي المغبر بتراب الأمس الكثيف ..

كل التحية و التفدير ..

qindeel said...

الحقيقة يا طارق انت بتجيد أوى صناعة الجمل القصيرة المعدة خصيصا للبقاء طويلا فى الذاكرة و لو انى بافصل ساعات فى وسط نصوصك الطويلة الا انك بتعرف تفوق القارئ بجملة من جملك السينيمائية الشبيهة بجمل الراوى فى الأفلام الملحمية

تبدو القاهرة لمن لا يعرفها .. مدينة شديدة الضخامة

ahmedwael said...

والله يا طارق الوحده دي اللي مطلعه كل الكلام ده لان اي واحد وخصوصا انت محسش بالوحده مش حيطلع جمل ادبيه دسمه بالمعني ده
احييك بشده

باسم شرف said...

ايه يامولانا ده
نص رائع جدا
يشبهنا

إبراهيم السيد said...

وقفت طويلا أمام هذا النص

فعلا نص يشبهنا

حلو أوي يا طارق، بجد

ابراهيم

soha zaky said...

الله عليك يا طروقة ، والله من يومك جامد ، نصر رائع يستحق جائزة ، اننى احب كتابتك بهذا الاسلوب عندما تشبهنا كما قال باسم ، انها بالفعل تشبه وجع يخص كل باسمه وشكله ورسمه ...رغم ذكورية الصوت ، الا أنه انسانى وفلسفى بالدرجة الاولى

طارق إمام said...

إسلام أمين
ربنا يخليك ، متشكر جدا
...................................
روزيليا
طب أقول إيه؟
ايه القراية العميقة اللي أخجلتني دي؟
دانتي كاتبة نص موازي يا روزيليا
عموما أنا هنشر جزء جديد من النص بعد فترة و يارب يعجبك
ألف شكر يا روز
................................
قنديل
مانت بتعرف تتكلم جد اهه
(:
كلامك محترم يا كنديل
يارب دايما
................................
أحمد وائل
الكتابة بشكل عام ابنة شرعية للوحدة و الشعور بالفقد
قشطة يا وؤووووول

طارق إمام said...

باسم شرف
سمسم
ربنا يخليك يا معلم
و بعدين انت أول واحد قرا النص ده و هو جنين بيتشكل
يعني انت صاحبه بشكل أو بآخر
...................................
سيد العارفين
هيمه
ربنا يخليك يا فنان
دي حلاوة روح قبل ماتطلع ديوانك وتنسفنا
(:
.................................
سهى زكي
حبيبة قلبي
و الله العظيم لما بشوف اسمك بحس بونس
شكرا يا سوسو
أنا كنت عارف ان النص ده تحديدا هيلمس معاكي
و مع كل أصحاب التاريخ المشترك معايا
شكرا يا جميل

جوستيـن said...

ربنا يوفقك

readingtuesday.blogspot.com said...

بابتسامات متسامحة؟؟؟ لا يا طارق لا، ليس بابتسامات متسامحة إطلاقا، أنا شخصيا مزقزق على العقد الرابع البشع ده. ثم إنني بجانب اللعب البلاستيكية التي ينبغي أن تكون أكبر من البلع وغير حادة الحواف وغير قابلة للكسر وغير صلبة، تمما مثل بقرة بني إسرائيل، أقول إنني بجانب هذه اللعب أشتري كتبا، الفرق الوحيد هو أنه مفيش وقت لقرايتها.
نص جميل، وعندك حق: صارت التسعينيات ماضيا.

Mony The Angel said...

:|
eh yabny da :|
bgad 3abqary
ra2e3 ya tare2
loola enny msafra kaman shwaia kont 3ala2telak 3ala kol kelma feeh
bgad wow!

hesterua said...

ايه التكثيف الرائع ده

الفقرة الأخيرة دى رهيبة ,, فعلا انا برضه مريت بالموقف ده وكانت بتبقى مفاجأة بجد
تسلم

طارق إمام said...

أحمد شافعي
تسلم يابوحميد
على فكرة انت من الناس اللي انا كنت مهتم قوي انهم يقرو النص ده
لأنك شريك عضوي فيه
فكلرت فيك بشدة و انا بكتبه
بقى عندنا ذكريات يا شافعي و بنفتكرها
تخيل!!!

طارق إمام said...

جوستين
ما يحرمنيش منك
.........................
موني الملاك
كل ده و ما علقتيش؟
أشكرك بشدة و مبسوط ان النص لمس معاكي للدرجة دي
...............................
هستيريا
أبو حميد
تسلم أيها القاريء الذكي

Anonymous said...

أحييك يا طارق على النص البديع ده كأنك كتبت كل جيلك

كلامك خطفني بجد

هاني السعيد

Anonymous said...

البوست فعلا حلو قوي يا طارق و كان نفسي اول مرة اعلق فيها عليك اكتبلك بجد نص بتاعك انت يا طارق بس ما باليد حيلة بعد ما كتبت فعلا حوالي خمس سطور لاقتني مضطرة احطلك حاجة بحبها وكتبتها قبل كدة واكتشفت اني هكررها تاني ويارب تعجبك


مشيوا ف هدوء
مفضلش من صوت الوداع
غير قلب اطري من احتمال المشي
وحدي
اهز منديل للي فات
واخرج من عنيا عيال
يتشعبطوا علي طرف منديلي اللي كان لسه وحيد
واتملي بضحك السكك
اربط علي قلبي مسافة باتساع السعي للملكوت
اوصل
اخاف
اخاف اوصل
لاترمي ف حضن اللي راح
ارجع انفض عيني من عيل بليد
عمره ما عبر صح
تسألة
وشك حزين ؟
يكتب
قلبي قالب سكر
اشتريت بكل دموعي سكر
بتسأل ليه ؟

دعاء فتوح

admin said...

عزيزي طارق
ربما لم نلتقي منذ فترة طويلة الا ان مدونتك اعجبتني كثيرا

واسلوبك في اهرام الجمعه ساحر

تحياتي يا طارق

عماد رجب - دمنهور