تعرفت على الراحل الكبير رجاء النقاش عام 2003 ، عندما تولى رئاسة تحرير سلسلة ذاكرة الكتابة التي تصدرها هيئة قصور الثقافة ، بالتزامن مع اختياري سكرتيرا لتحرير نفس السلسلة .. لأعمل بشكل مباشر مع الرجل الكبيرفي واحدة من أهم محطات حياتي ، و ليوضع اسمي المتواضع بجوار اسمه الكبير على ترويسة واحدة من أهم السلاسل الفكرية لوزارة الثقافة . طلب أن يتعرف علي ، فقد كان دقيقا .. لا يمثل له العمل في أحد المواقع مجرد عمل روتيني ، يكفي فيه أن يضع اسمه ليحظى بقيمة مضاعفة .تحدد موعد للقاء .. و جلست في حضرته .. و جلبت له كتبي الأربعة .أبدى يومها ارتياحه للعمل مع أديب و ليس موظفا ، قال لي إنه قرأ لي نصوصا في عدة أماكن ، و سعد بكتبي ووعدني بقراءتها إن سنح الوقت المكتظ .. ابتسمت له ممتنا لمجاملته .. و لكني عندما قابلته بعد ذلك فوجئت أن الرجل قرأ ، و احتفظ بملحوظات قيمة ،ورغم أنني لم أتخيل أن يتعامل مع كتابتي بتسامح ، كرجل كبير له ذائقته و سياقه البعيد تماما عني ، إلا أنه فاجأني يومها بالعبارة التي يتردد صداها في أذني كثيرا : " أنا أحب أكتب عنك .. لكن للأسف لازم اكون من جيلك " اندهشت ، و طلبت إيضاحا ، فقال : عندما كتبت عن الطيب صالح ومحمود درويش و أغلب كتاب تلك الحقبة كنت من نفس الجيل .. ملما بالسياق النفسي و الفكري قبل الاجتماعي و الاقتصادي ..كنت متورطا فيما يحدث ولست متفرجا أو مراقبا ، لذا كتبت من الداخل و ليس من الخارج "و أكمل :" لذا لابد أن يفرز كل جيل نقاده ". و عندما قرأ بعض مقالاتي النقدية أثنى عليها و لكنه طلب مني ألا أنجرف كناقد لأن تجربتي الإبداعية تستحق أن أمنحها كل وقتي . كان حريصا على مناقشتي في طبيعة الكتابة الجديدة ..و تحدث معي عن ميلي للتغريب و اسقاط القضية المباشرة و البعد الاجتماعي الواضح ، ليس بغضب أو عدم ارتياح لكن كخصيصة لها معناها و علاقتها باللحظة التي يحياها كاتب في سني ـ كنت وقتها في السادسة و العشرين من عمري ـ و بدأ يحلل معي أشياء كثيرة و يربط تحولات الكتابة بتاريخها و محطاتها . قال لي ذات مرة : في مصر لا تدافع الموهبة عن صاحبها .. بل يدافع الكاتب عن موهبته .. و من لا يفعل ذلك يضيع ، فلا تنصت لمن يحاول إقناعك بالعكس .. و عدد لي أسماء كثيرة من كلا الفريقين .. ثم قال : عليك أن تدافع عن موهبتك ، و عن قناعاتك مهما كان تطرفها ، و عليك أن تستمرلأن الانقطاع سيطمر منجزك مهما كان مهما .
قلت اللقاءات بعد ذلك ، و لكنه كان شديد الحرص على السلسلة ، مهتما بكل صغيرة و كبيرة فيها .. و قدم فيها عددا من العناوين القيمة لكتاب كبار ..و يكفي أن اهتمامه بالكلمة التي تنشر على الغلاف الخلفي لكل كتاب ـ و التي كان يكتبها بنفسه ـ كان غير عادي ، و لو تطلب الأمر حذف بعض السطور لظروف المساحة كان يتابع ذلك بنفسه و يطمئن على تنفيذه بدقة .
عندما اضطررت للاعتذار عن استكمال عملي في السلسلة ، مفضلا الإتجاه للصحافة .. حرصت على الاتصال به و إبلاغه بقراري .. و رغم خشيتي أن يمنحني نصائح أبوية بالاستمرار ـ لن تثنيني عما انتويت ـ فوجئت به يقول لي : كن حرا .. و العمل بالصحافة سيمنحك انتشارا أفضل و لكنه سيلتهم وقتك فاحذره ! كان يحدثني هذه المرة أيضا من موقع المجرب ، فقد ولد رجاء النقاش رئيسا للتحرير . أنصت إليه شاكرا ، قبل أن أبدأ مرحلة جديدة في حياتي ..بعدها قل التواصل ، و بدأت حالته الصحية تأخذ منحنياتها الحرجة .. و تعذر حتى أن يرد على التليفون حتى أتاني الخبر.
الله يرحمك يا أستاذ رجاء
4 comments:
أول تعليق تقريبا يا استاذ طارق
وباقول تقريبا لاني لسه مش عارف انتا عامل تصفية للتعليقات قبل ما بتنزل لا لا
طبعا فقدنا استاذين كبار قوي مجد مهنا و رجاء النقاش
تصور انا اول مرة اشوف امبارح صورة للاستاذ رجاء قبل الوفاة على القاهرة اليوم كان المرض مخلص عليه بكيت و بكيت
اتنين ماتوا واتصلوا عليهم في نفس الجامع و في نفس الوقت اقتسموا احزانا و دموعنا امبارح
الله يرجمهم
وباقول لواحد امبارح الله يرحمه و قرأ البوست بتاعي عن مجد مهنا لقيته بيلومني و بيقولي نفس مطمئنة ازاي انتا بتهرج .. دا مش مسلم
اتضح ان فيه شريحة كبيرة ما تعرفش حاجة عنهما اي حاجة حتى ااقل حاجة هما مسيحيين ولا مسلمين
خالص تحياتي
احمد
كنت أتابع دومًا مقالات أ. رجاء النقاش فى مجلة الشباب و جريدة الأهرام، و توقفت عن المتابعة بعد توقفى عن اقتناء المطبوعتين
حزنت بعد سماعى النبأ أمس، و كل ما أتمناه أن يذهب العلم الذى تركه أ. رجاء و كلماته التى شكلت وجدان الكثيرين فى مجال النقد بالذات فى ميزان حسناته
ربنا يرحمه
خواطر حلوة :)
حزنت جدا لرحيل رجاء النقاش
كان لكتابته اثرا كبيرا في فكري
و خصوصا أني بدأت القراءه صغيره جدا في السن
من حظك الطيب
أنك قابلته شخصيا بل و عملت معه
ما قلته عنه يطابق تصوري عن شخصه
رحمه الله
Post a Comment